الاثنين، ٣١ مارس ٢٠٠٨

العراق الجرح النازف


نشر فى شبكة محيط الإخبارية ، العرب نيوز ، نافذة مصر
بقلم/ د ممدوح المنير
أعترف أننا قصرنا كثيرا في تناول الشأن العراقي ، فكم الكتابات التي تعالج الأزمة الكارثية في العراق لا يتناسب إطلاقا مع حجم الجرح النازف هناك ، رغم أنى أعتقد أن من يتابع مجريات الأحداث سيكتشف سريعا أن الخطر في العراق أكبر منه في فلسطين ، أعلم أن البعض قد يختلف معي في هذا ، على اعتبار أن قضية فلسطين فيها من الرمز و المقدس الكثير ففيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة و الحرم الإبراهيمي ومراقد الأنبياء و عدد من الصحابة و هي أرض المحشر ... الخ ، مما يعجلها في مقدمة الأحداث على الدوام ولا غضاضة لدى في ذلك ، لكن من قال أن المقدس في الإسلام هو الحجر أيا كان قيمته ؟ لقد تعلمنا منذ الصغر أن هدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم إمرىء مسلم ولكن يبدو أننا سرعان ما ننسى أو نتناسى ذلك بمعنى أصح ! ‘ لم تعد مشاهد القتل و لا صرخات النساء و لا دموع الأطفال تثير عاطفة لدينا أو حتى تحرك فينا ساكنا ، بل أصبح الكثير منا عندما يجد أخبار العراق تذاع على شاشة التلفاز ، سرعان ما يغير القناة حتى لا يتعكر مزاجه أو حتى لا يصاب بالملل !!.

أكثر من مليون قتيل حتى الآن ، عشرات الآلاف من العلماء تم اغتيالهم ، مليارات الدولارات نهبت ، ثروات نفطية لا تعد و لا تحصى تقوم الناقلات الأمريكية و حلفاءها بنهبها يوميا ، فتن كقطع الليل المظلم ، سنة و شيعة و أكراد ، أكثر من نصف الشعب عاطل عن العمل و النصف الآخر لا يجد قوت يومه ، نساء حرائر أجبرن على ممارسة الدعارة بالإكراه أو سعيا وراء لقمة العيش بعد أن مات الأخ و الزوج و الأب و تركن وحدهم يصارعن الموت في بلد أصبح الموت فيه أصلا و الحياة استثناء ! ، مياه شرب لا توجد ، الكهرباء رفاهية لا تتاح للجميع ، مقاومة بألوان الطيف فمن يقاوم الاحتلال و من يقاوم الطائفة ومن يقاوم الدين و من يقاوم حتى نفسه ! ، خونة و عملاء بالجملة في كافة مرافق الدولة ، تعذيب وحشي سادى لا مثيل له في التاريخ البشرى من الاحتلال و أعوانه ، أمراض وأوبئة و أدوية فاسدة ، خوف و رعب و سيارات مفخخة في وقت و كل شبر من أرض العراق ، ملايين اللاجئين الذين يفترشون الأرض و يلتحفون السماء ، هذا هو العراق بعد الاحتلال ، لا تجد هناك للحقيقة وجها واحدا بالعدة أوجه ، إننا أمام عملية إعدام لأمة بكاملها على الهواء مباشرة مع فاصل إعلاني للترويح عن النفس !! .

المفجع في الموضوع أننا – الشعوب العربية و الإسلامية - و لأول مرة نتفق مع حكمانا - الذين نلعنهم كل صباح – في صمت المخزي و التجاهل المريب ، خرج مئات الألوف حول العالم للاحتجاج على احتلال العراق في ذكرى الغزو الأمريكي له ، جمعيات حقوقية و نشطاء غربيين يطوفون العالم للتنديد بالجريمة وكشف أوجه المأساة فيها بينما لم تخرج مظاهرة واحدة في العالم الإسلامي للتنديد بالجريمة !! ، تواطئنا جميعا على الصمت ( شعوب ، جمعيات حقوقية ، إعلام ، كتاب ، حكام ) لماذا صمتنا جميعا ؟ حقيقة لا أعرف ، لكن ما أعرفه جيدا أننا جميعا مشتركون في الجرم و سندفع الثمن عاجلا أو آجلا ، وما يحدث في السودان و لبنان ومصر هو جزء من الثمن الذي سيطال الجميع شئنا أم أبينا .

فرصتنا الوحيدة للنجاة هي أن نتذكر أننا أمة واحدة ، كالجسد الواحد ، إذا تداعى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ، أعلم جيدا أن الحديث عن الأمة الواحدة في زمن تتفكك فيه الدولة الواحدة إلى دويلات قد يعد في نظر البعض نوع من المجاز أو الدعابة و هذا شأنهم و لا تثريب عليهم ، أما نحن فندرك جيدا أنه لن تكون هناك نجاة إلا بعد أن يقدم مفهوم الأمة على مفهوم الفرد حينها نتحرر جميعا من أنانيتنا المقيتة إلى رحاب الأمة العظيمة
( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online