الجمعة، ٢٨ مارس ٢٠٠٨

الخطر الأكبر في أحداث غزة


نشر فى إخوان أون لين ، المركز الفلسطينى للإعلام ، فلسطين الآن


بقلم / د ممدوح المنير

عندما نسترجع المشاهد المؤلمة التي صوَّرت حجم المعاناة التي يتعرَّض لها أهل غزة؛ من حصار وتجويع وقتل ومنع لإمدادات الوقود والقطع الكلي للكهرباء، وتداعيات ذلك على كافة المرافق في القطاع، من مستشفيات ومياه الشرب والصرف الصحي والمخابز وغيرها من مرافق الحياة الأساسية، نجد أنفسنا أمام المشهد الدرامي التآمري التالي: شعب تحت حصار لم يسبق له مثيل في التاريخ، كافة المعابر مغلقة بالكلية، لا توجد حركة من أو إلى القطاع، سواء للمواطنين أو للمساعدات، يثور الشعب الفلسطيني وتثور معه الشعوب العربية للاحتجاج على ما يحدث، وتتحرك وسائل الإعلام لتغطية الأحداث، والكشف عن حجم المأساة، ثم تبدأ المظاهرات العفوية والمنطقية والمتوقعة للضغط على مصر؛ لفتح المعبر، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية لنجدة أهالي القطاع، إلى آخر سيناريو الأحداث المتتالية التي يراقبها الجميع.

هنا فقط يبرز الخطر الأكبر، والمؤامرة الكبرى التي تحاك بليل لتصفية القضية الفلسطينية تمامًا، ألا وهي (التقزيم)، بمكر شيطاني صهيوني على مدار التاريخ نجد عملية (التقزيم) تسير على قدم وساق،؛ فالبداية كان أمل العرب هو تحرير فلسطين كل فلسطين، ولا مكان على الأرض لصهيوني! هذا كان سقف الطموح العربي الرسمي في البداية، ثم بدأ الصهاينة في التقزيم وصدر قرار التقسيم في عام 1948، وأصبح أمل العرب بعد هزيمة 48 أن يتم التقسيم مع الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني!!.

ثم كانت هزيمة 67 واحتلال الجولان، وسيناء، والقدس، وباقي الأراضي الفلسطينية؛ لتبدأ مرحلة التقزيم الثالثة ليصبح أمل العرب عدة آمال: أمل تحرير الجولان، وأمل تحرير سيناء، وأمل تحرير القدس الشرقية، والقطاع والضفة!! وتختفي كلمة تحرير فلسطين من القاموس الرسمي العربي، وتنشغل كل دولة عربية بمشروعها الخاص، وتنجح مصر في استعادة الأرض، ولكن لا تنجح في استعادة السيادة في 73.

وتبدأ مرحلة التقزيم الرابعة بمعاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل"؛ ليتحول الكيان الصهيوني- ولأول مرة في التاريخ- إلى صديق، ويرتفع العلَم "الإسرائيلي" في سماء القاهرة؛ "عاصمة الدولة القائدة والزعيمة"!!.

ثم تمضي عجلة التقزيم بعقد اتفاقية أوسلو، وإنشاء السلطة الفلسطينية، ويتم شطب العمل على إزالة "إسرائيل" من الوجود من القاموس الفلسطيني الفتحاوي، ويستبعد الإسلام بشكل رسمي وقسري من الصراع كشرط أساسي لإقامة السلطة بلا سلطان!!.

وتمضي عجلة التقزيم بشكل لا يصدَّق؛ فالكيان الصهيوني يبني في هدوء آلاف المستوطنات، وينهب الأراضي المتبقية من الحلم العربي الرسمي (الضفة والقطاع والقدس الشرقية!!) لتغيِّر وقائع الجغرافيا والتاريخ، وتدخل في ألاعيب شيطانية مع سلطة بلا إرادة، وتعقد المؤتمرات واللقاءات والمفاوضات السرية والعلنية، وتلتقط الكاميرات الابتسامات المشتركة بين العرب و"الإسرائيليين"؛ لينتقل التقزيم من الأرض والتاريخ إلى الوجدان والقلوب!!.

ويهرول العربُ إلى السلام مع الصهاينة، وعقد الاتفاقيات، والمعاهدات معها، ويصبح السلام هو خيار العرب الإستراتيجي؛ ليصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم!!.

ويمضي التقزيم في الشعور والوجدان، فيسكب الزعماء العرب الدموع والآهات على قبور قادة "إسرائيل"!! ويترحَّمون على موتاهم!!.

ويستمر التقزيم على الأرض ليصبح الهمُّ أن يكون هناك مطار وشرطة مسلحة للسلطة الفلسطينية، أو تحويل مسار الجدار الفاصل الذي نسيه الجميع؛ لتصبح المشكلة مجرد تغيير مسار جدار!! وتسقط قضايا حق العودة، والأسرى، وغيرها من القضايا، ويصبح الحديث عنها من باب ذرِّ الرماد في العيون، واصطناع بطولات وهمية بلا أساس أو مضمون.

ثم يأتي أبو مازن ليريح الجميع من تعب الترقُّب والانتظار، ويأتي بسوابق لم يسبقه إليها أحدٌ من العالمين!! ويمضي بعجلة التقزيم بسرعة لا تحتملها وعورة الطريق، ويرتمي أبو مازن بالكلية في أحضان الكيان الصهيوني وأمريكا؛ ليصبح ألدُّ الأعداء هو الوليَّ الحميمَ، ويصبح الأخ والصديق هو الشيطان الرجيم!! وتصبح المقاومة إرهابًا!! وجرائم الحرب الصهيونية اليومية دفاعًا عن النفس!! ويصبح شارون وأولمرت رجلي سلام!! ويصبح رجال وقادة المقاومة الفلسطينية مجرمي حرب ومثيري فتنة وإرهابيين وانقلابيين!! لينقل الكيان بعملية التقزيم لمرحلة أخطر وأعمق بزيارة بوش للمنطقة عندما يؤكد على يهودية الدولة (الإسرائيلية)!! والتفاوض على أساس الوقائع التي على الأرض!! وتوطين اللاجئين، ليشطب ملايين الفلسطينيين من ذمة الحاضر والتاريخ، وتلفظ البقية الباقية من الفلسطينيين خارج دولة "إسرائيل" الصديقة!! ويستمر التقزيم ليصل إلى مراحله النهائية، والمتمثل في الحصار المضروب حاليًّا على قطاع غزة لينزل بسقف الطموح الفلسطيني والعربي؛ ليصبح مجرد السماح بدخول قطرة الماء أو البنزين أو لقمة العيش إلى القطاع إنجازًا ضخمًا ونصرًا مؤزَّرًا!! يشكر ويحمد عليه القادة العرب!!.

على الجانب الآخر تقف المقاومة الفلسطينية- وعلى رأسها حماس- تفعل المستحيل والمعجز لوقف عجلة التقزيم، وتصر على المقاومة مهما كانت التضحيات كخيار إستراتيجي، تؤكد على الثوابت التي نسيها، أو تناساه الجميع (فلسطين من البحر إلى النهر، حق العودة، الدولة كاملة السيادة، الأسرى، القدس)، ربما تكون الأحداث والحسابات الإقليمية والدولية تفوق قدرات حماس بمراحل؛ ولكن من ظن أن النصر يعتمد فقط على حسابات الأرض فهو واهِمٌ؛ لأن هناك حسابات السماء، وهي عادة محسومة مسبقًا، فقط تراقب- السماء- وتنتظر وتتدخل في النهاية لتحسم القضية من حيث لا يتوقَّع أحد ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾ (الحج)، ومن لا يصدِّق يطالع كتب التاريخ، وسيدرك سريعًا أن التاريخ لا يكذب ولا يتجمَّل!!.

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online