الجمعة، ٢٣ أبريل ٢٠١٠

قصتى مع السرير !!


قصتى مع السرير !!

بقلم / د ممدوح المنير *


نشر فى : اخوان اون لاين ، نافذة مصر


الملاحظ أنه خلال الفترة الماضية ، إزداد حجم بطش النظام بمعارضيه ، مع توقع أن يستمر – البطش - خلال الفترة المقبلة أيضا ، كنتيجة للحراك السياسى الذى تمر به مصر حاليا و الذى يأتى بدوره فى لحظة فارقة  فى تاريخها الحديث .


ما أعنيه بالبطش هنا هو إزدياد القسوة الأمنية فى قمع المعارضة بكافة أشكالها فأصبح الضرب و السحل و هتك العرض و التعذيب من الأمور الإعتيادية الحاصلة فى التعامل مع المعارضة و تزداد هذه القسوة حين يكون المعارض محسوب على جماعة الإخوان المسلمين ، حينها تتضاعف حجم المعاناة الممارسة من قبل النظام تجاه من يقع تحت يدها منهم .


و إذا عددنا فقط  بعض الحوادث خلال الفترة الماضية للتدليل على هذا الطرح سرعان ما نجد أن الألفاظ التى إستخدمتها للتعبير عن حقيقة الوضع هى ( مهذبة ) و أن الوضع أسوء بكثير مما يحتمله اللفظ .


على سبيل المثال

1) اختطاف و تعذيب واعتداء جنسي بحق 11 طالب اخوان بكلية الهندسة بمنوف ، بتاريخ 30 / 3 / 2010 .


2) الإعتداء على بعض بنات و نساء الإخوان فى فى أكثر من مكان أثناء مداهمات و احتكاكات بالأجهزة الأمنية ، كان آخرها اعتداء  قائد حرس إحدى الكليات علي الطالبة الاخوانية بسمة محمود بعجر وتمزيق حجابها واحداث بعض الكدمات في يدها اليسري .


3) اشتباكات وضرب وتعذيب واعتقالات عشوائية  بالجملة للإخوان  أثناء هبّات نصرة الأقصى و فى يوم 6 إبريل الماضى (2010 ) لكافة الناشطين من جميع الإتجاهات .


4) اختطاف الطالب طارق محمد محمود خضر - كلية العلوم جامعة الإسكندرية -  من داخل كليته ظهر يوم السبت الموافق 27 -3 بواسطة الأمن بالكلية منذ نحو ثلاثة أسابيع و لم يظهر حتى الآن .


حين تقرأ هذه الحوادث و غيرها الكثير ، سرعان ما ينتابك شعور بالغضب أو الضيق من هذه الممارسات ، و قد ينتابك  و يسيطر عليك الخوف  من أن يحدث لك أو لشخص عزيز عليك ما  حدث لهؤلاء .


و الذى أريد أن أقوله هنا أن سياسة ( الخوف ) هى السياسة التى يحاول النظام فرضها على الجميع حتى يشعر المتابع لهذه الأخبار  بالفزع و الرعب و ينزوى أكثر على ذاته ، لذلك لعلى لا أكون مبالغا إذا قلت ، أن النظام قد يحرص أحيانا على ( نشر ) هذه الأخبار حتى يثبت مشاعر ( الرعب و الفزع ) لديك ، فتصاب بشلل فى التفكير و الحركة  ، و بهذا  يكون النظام قد نجح فى بسط سيطرته على العقول .

و حتى يستطيع المرأ أن يتجاوز و يقاوم هذا التأثير النفسى  السلبى المراد له ، فلا يوجد من علاج ناجع مثل حسن الصلة بالله :

أولا : لأنه علاج حقيقى و ناجع و مجرب مئة بالمائة و هناك آلاف الشواهد من الحياة التى تؤكد على هذا المعنى .


ثانيا : لأنه قادر على تحويل هذه المشاعر السلبية التى يراد فرضها عليك إلى مشاعر إيجابية مثل رفض هذه الممارسات و فضحها و العمل على إنهاء السياسات المسببة لها من خلال النضال السلمى المشروع بكافة أشكاله و ألوانه .


ثالثا :  لأنه قادر على قلب الكفة لصالحك ، لأنك بحسن صلتك بالله تكون قد إرتكنت إلى ركن شديد  فهو و حده النافع الضار و المعز و المذل فلا يصير فى ملك الله إلا ما يريده الله ، فالله يقول فى كتابه { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } فالضار هو الله و ليس النظام أو الأمن فما هما إلا أدوات لتنفيذ قدر الله الغالب ، و لكنه لا يضرّك إلا لينفعك  فى الدنيا أو الآخرة ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الحديث الصحيح لسيدنا عبدالله بن عباس و هو رديفه

(( احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ))  .

تحكى لنا السيرة النبوية مشهد من المشاهد الذى كثيرا ما يستدعيه المرأ من الذاكرة حين يشعر بقسوة الواقع من حوله ، ويزداد حجم بطش النظام بمعارضيه ، فى غزوة مؤته كما يروى ابن اسحاق ((  ولما أصيب القوم قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فيما بلغني: " أخذ زيد بن حارثة الراية فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل  بها حتى قتل شهيداً " ؛ قال: ثم صمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: " ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً "؛ ثم قال: " لقد رفعوا إلىّ في الجنة، فيما يرى النائم، على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً- ميلا - عن سريري صاحبيه فقلت:

" عم هذا ؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد، ثم مضى )) .

 لقد تردد سيدنا عبدالله بن رواحه بضع لحظات ، تردد وهو فى الميدان و هو يحمل الراية ، لم يتردد و هو ينام على فراشه الوثير أو فى مسكنه الجميل أو  وسط تجارته و أبناءه ، لقد تردد فى الميدان و هو ينافح و يناضل فى سبيل رفعة الإسلام  و إقامة الحق و العدل و الحرية .


يالله  تردد لحظة ، فكان سريره فى الجنة مائلا لأسفل عن سرير صاحبيه الكريمين !! ، لم يشفع له كونه من الصحابة ، لم يشفع له أنه مقبل غير مدبر ، لم يشفع له أنه مات شهيدا فى سبيل الله ، نعم لقد دخل رضى الله عنه الجنة و فى أعلى درجاتها ، لكنه تردد لحظة من الزمن ، فكان الميل فى سريره ، فبقدر ترددك يكون ميل سريرك فى الجنة و كلما زاد التردد  زاد الميل .


أمامى وأمامك الخيار إما أن تحسم موقفك  و تختار أن تكون خانعا جبانا سلبيا ترضى بالدون و يملأ الخوف قلبك و عندها لا تهتم بمقدار ميل سريرك فى الجنة ، بل إحمل همّ إذا كنت ستدخل الجنة أم لا ، أو تختار طريق الأنبياء و أصحاب الدعوات و المصلحين فى كل عصر و مصر ، حينها  فقط سيحدوك الأمل فى أن يكون لك سرير فى الجنة و بقدر عزمك تكون درجة ميلك !! ، اللهم ارزقنا  العزيمة فى الأمر و نسألك الثبات  حتى الممات ،  قل آمين .


* كاتب و باحث



الجمعة، ١٦ أبريل ٢٠١٠

لا تقرأ هذا المقال !!





لا تقرأ هذا المقال !!

بقلم / د ممدوح المنير *


نشر فى :  نافذة مصر


إذا كنت تعانى من إرتفاع فى ضغط الدم أو الإكتئاب أو السكرى أو قرحة فى المعدة أو أى أمراض صدرية أو باطنية أو حتى جلدية، فلا تقرأ هذا المقال  !! .


إذا كنت عاطلا عن العمل ، أو أحد ضحايا العلاج على نفقة الدولة ، أو تنام يوميا بلا عشاء هذا إن وجدت الغداء !! فلا تقرأ هذا المقال .


هذا الكلام جد و ليس بالهزل ، لا تقرأه إذا كنت تعانى من هذه الأمراض أو الأعراض فالآثار الجانبية خطيرة و مريرة ، لذلك أحببت أن أخلى مسئوليتى أمام الله أولا و أمام ضميرى و الناس ثانيا !! .


ما الموضوع  إذا ؟!  ، الموضوع عزيزى القارىء ، أنّى لاحظت و أنا اتابع مثلك وسائل الإعلام ، أن حكومتنا الموقرة و نظامنا الرشيد ، لا يوجد مثيل له على و جه الأرض ، بل لعلى لا أكون متجاوزا إذا قلت عبر التاريخ الإنسانى كله كذلك  ، فى حجم تهم الفساد و الإستبداد الموجهة له ، إنه غير متهم بنهب أموالنا فحسب ، بل بمص دمائنا كذلك ، لا يمرضنا فقط بل يبيعنا كذلك جملة أو قطاعى فى سوق تجارة الأعضاء !! ، لا يفقرنا  فقط بل يميت جوعا ، قد يقول أحدكم على رسلك ، ما هذه السوداوية ؟! أقول لك البينة على من إدعى ، كيف ؟

ما شاهدته  أو قرأته فى الشهر المنصرم فى وسائل الإعلام من كشف لعمليات النهب و الفساد التى  تجرى فى مصر -لاحظ أننى قلت ما عرفته فى ( شهر واحد فقط )  لا غير -  إذا أمسكت بالآلة الحاسبة و جمعت و قسمت الأرقام -  و كلها من مصادر موثوقة  و معتبرة -  ثم قسمت الناتج على عدد السكان لوجدت أن النظام لو توقف عام واحد فقط  عن النهب و السرقة ، لوجدت أن الشعب المصرى بكامله لن يوجد بينه فقير أو عاطل أو عازب أو مريض بسبب الفساد ، لو أخذ النظام ( إستراحة ) من تبديد  أموالنا فى عام واحد لأصبح كافة المواطنين مثل أغلب سكان  دول الخليج فى المستوى المعيشى ( العمل الخاص ، السيارة الفارهة ،  المسكن الخاص ، الحساب البنكى ، و ربما تعدد الزوجات كذلك !! ) ،  أمّا لو إستيقظ ضمير النظام  – إذا كان عنده ضمير – فبإستطاعة مصر خلال سنوات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أن تكون فى مصاف الدول العظمى أو فى الطريق إليها .


دعنى أقرأ عليك  ( بعض ) هذه الأرقام  بإختصار شديد  من مصادرها المعتبرة ، و أترك لك الحكم النهائى :

أولا ) أثناء مناقشة مجلس الشعب لموازنة العام الحالى أثار النائب الإخوانى أشرف بدر الدين  ، فضيحة أموال صناديق الخاصة التى لا يعرف عنها مجلس الشعب شيئا و لا تخضع لرقابته و قد بلغت العام الماضى تريليون ( ألف مليار ) و 272 مليارجنيه و عندما حاول  النائب حمدى حسن سؤال وزير المالية عن هذه الأموال أين ذهبت ؟! ، فقال له الوزير  حرفيا تحت قبة البرلمان  ( لن يرد عليك أحد.. إتكلم  براحتك !! ) .


ثانيا ) قدم الشهر الماضى النائب المهندس سعد الحسينى بلاغا للنائب العام حول  منح وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان لهشام طلعت مصطفى (33) مليون متر مربع مجانا  ( عقد مدينتى ) رغم أن قيمتها الحالية تقدر ب 56 مليار جنيه !! ، دون سند من قانون .


ثالثا ) ما أثاره الكاتب الكبير الأستاذ فهمى هويدى فى مقاله بصحيفة الشروق الشهر الماضى  المعنون ب (هل كانوا في كامل وعيهم؟) و يتحدث فيه عن إطلاعه على ( عقد تسوية )  قامت بها الحكومة مع أحد رجال الأعمال الهاربين و الذين نهبوا أموال البنوك -  تقريبا ثلاثة مليار جنيه  - و بعد مفاوضات كانت حكومتنا فيها ( متساهلة ) مع رجل الأعمال أسقطت  عنه نحو مليارين و نصف  من الجنيهات – فلوس أبوهم – ثم  طالبته فقط برد 138 مليون جنيه تسدد خلال ثلاثة أشهر من حصيلة عقارات مرهونة لدى البنك !! ،  ثم بضعة ملايين على عشر سنين بالتقسيط !! ، لاحظ أن عقد تسوية مع رجل أعمال واحد أسقطت الحكومة عنه أكثر من مليارين و نصف  جنيه ، فما بالك بباقى رجال الأعمال الهاربين و هم بالمئات !!


رابعا )  تشتري إسرائيل الغاز من مصر بسعر الوحدة يتراوح بين 75 سنتا ودولار وثلاثين سنتا، حين بدأ يصل إليها في أول مايو/ أيار 2008، في حين أن سعر السوق في ذلك الوقت كان 13 دولارا، الأمر الذي يعنى أننا نخسر في كل وحدة ما يقارب 11 دولارا (للعلم إسرائيل تحصل من مصر يوميا على 665 مليون وحدة و سعر السوق  حاليا  (١٥ دولارا) لكل وحدة !! .  نقلا عن مقال (المريب والعجيب في صفقة الغاز ) للأستاذ فهمى هويدى ، بمعنى آخر مصر تدعم إسرائيل فى صفقة الغاز   ب ( 55 ) مليار جنيه ( يوميا )  !!!!!!!   .


لم أتحدث عن تفاصيل ال 500 مليار جنيه قيمة الأراضى التى منحتها الحكومة لرجال الأعمال المحسوبين عليها بالمجان ، و لا عن تفاصيل الضرائب التى لم يدفعها رجال الأعمال و الصحف القومية  و التى تقدر قيمتها ب 60 مليار جنيه ، لم أتحدث عن عشرات الألوف من قضايا النهب و السرقة  و التى تحتاج إلى موسوعة و ليس إلى مقال لبيان تفاصيلها .


عندما تقوم بحساب مجمل الأموال المنهوبة أو المبددة  فى الأربع نماذج التى ذكرتها فقط ، ستعرف حينها لماذا حذرتك من قراءة هذا المقال !!ّ، و حين تعرف أن الإحصائيات الصادرة عن هيئة النيابة الإدارية (جهة تحقيق قضائية مع موظفي الدولة) و التى تؤكد فيها أن إجمالي عدد قضايا الفساد داخل أجهزة الحكومة التي وردت إليها عام 2005 فقط  - تضاعف العدد الآن - بلغت حوالي 72 ألفاً و593 قضية؛ منهم 10 آلاف و853 قضية تشكل جرائم جنائية أبرزها اختلاس المال العام أو الاستيلاء عليه والرشوة والتزوير، ثم تعكف على القيام ببعض العمليات الحسابية لحصر الأموال المنهوبة  – أتحداك إذا إستطعت حصرها -  عندها ستعرف حالتى النفسية و أنا أكتب هذا المقال !!! .


* كاتب و باحث

 

الأربعاء، ٧ أبريل ٢٠١٠

اعتقال سيدنا يوسف!!

اعتقال سيدنا يوسف!!



بقلم: د. ممدوح المنير



نشر فى : إخوان أون لاين ، نافذة مصر  ، بر مصر ، العرب نيوز



 

أصبحت عمليات الاعتقال التي تتم بحق كوادر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين خاصة والمعارضة عامة في الفترة الحالية، محط أنظار وتتبع كافة المحللين، حول أسبابها وتداعياتها والهدف من ورائها، ورغم أهمية ذلك في توضيح الصورة، إلا أنه من الأهمية بمكان دراسة جذور هذه الظاهرة المستفحلة والتي أصبحت عاملاً رئيسيًّا في انهيار الأمن الاجتماعي وزيادة حالة الاحتقان لدى المجتمع فضلاً عن تشويه صورة مصر أمام العالم.

 

حين نتطلع إلى آيات سورة يوسف نجد الكثير من الإشارات المباشرة وغيرة المباشرة، والتي تتناول هذا الموضوع منها


 

أولاً: لم تذكر كلمة السجن في القرآن صراحة، وبأشكال مختلفة إلا في الحديث عن مصر تحديدًا! وعن علاقة النظام الحاكم بمعارضيه!! تأمل معي الآيات الكريمة من سورة يوسف ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾، وقوله تعالى ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾، وقوله ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)﴾، وقوله ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾، وقوله ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)﴾، ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)﴾، وقوله ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾، وقوله ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ


 

ثماني مرات في سورة واحدة تذكر فيها كلمة السجن مرتبطة بما يحدث في مصر!، وبما يحدث مع معارضي النظام الحاكم!!، الأعجب من ذلك أن المرة الأخرى الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمة في القرآن في سورة الشعراء آية 29 كانت أيضًا بين الحاكم المستبد ومعارضيه في مصر أيضًا!!، تأمل الآية في الحوار الذي يجرى بين فرعون وسيدنا موسى ﴿قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29)﴾ (الشعراء)، تهديد مباشر بالاعتقال لسيدنا موسى إن لم يخضع لأمر الفرعون!!، مما يدل على أن قمع المعارضة بالاعتقال والحبس هو أكثر الأمور تجذرًا في تاريخ العلاقة بين الحاكم ومعارضيه في مصر

!!.


 

هنا قد يعترض معترض بقوله، لكن الاعتقال يجري في كافة أنحاء العالم، وهذا الصحيح لا ريب، ولكن الواضح أنه لا توجد دولة في العالم تمارسه بهذه الكثافة والاستمرارية غير مصر، فنادرًا ما يسمع المرء في وسائل الإعلام عن عمليات اعتقال بشكل شبه يومي وبأعداد كبيرة غير في مصر، وهذا يجعل من الأهمية بمكان لكل معارض للنظام المصري أو مطالب بالإصلاح، أن يتهيأ نفسيًّا وإيمانيًّا لجعل السجن جزءًا من حياته، فنحن والحمد لله على كل حال، لدينا منذ أكثر من سبعة آلاف سنة سجونًا ومعتقلات!!.


 

ثانيًا: الحبس الاحتياطي كان واضحًا كذلك في (التهمة الملفقة) التي ادّعتها امرأة العزيز بحق سيدنا يوسف باتهامه بمحاولة الاعتداء عليها، لكن حين شهد شاهد من أهلها بناءً على تحقيق جنائي موضوعي ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27)﴾ (يوسف)، تم إخلاء سبيله من أول عرض على جهة التحقيق (النيابة حاليًا)، وهذا هو الحاصل الآن مع آلاف المعتقلين من الإخوان أو غيرهم، تهم ملفقة، سرعان ما تنتهي بإخلاء السبيل من النيابة، لكن الملاحظ كذلك أن التحقيق قد حفظ!!، فامرأة العزيز قد ثبت بالتحقيق أنها هي التي حاولت تحريض سيدنا يوسف على ارتكاب الفاحشة وتأكد الجميع من ذلك، لكن حفظ التحقيق بناء على تعليمات عليا، حفاظًا على سمعة النظام الحاكم!!.


 

ثالثًا: عندما فشلت امرأة العزيز في حبسه بناءً على تحقيق نزيه، واستمرت مكائدها الشيطانية له، شعر النظام الحاكم بالخطر، فلجأ لإصدار أمر اعتقال له بعيدًا عن القضاء الذي أنصفه!!- كما يحدث الآن- اقرأ الآية الكريمة ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)﴾ (يوسف)، من الذين بدا (لهم)، إنه النظام الحاكم!!، ما الذي بدا له؟! أن يعتقلوه بدون تحقيق بعد أن برأ القضاء ساحته!!، ثم لاحظ معي (حتى حين) يعني اعتقالاً مفتوحًا، وليس لأمد معلوم!!، كما يحدث الآن كذلك!!.


 

والعجيب في الآية أن الاعتقال حدث عندما تحولت قضية سيدنا يوسف إلى قضية رأي عام- ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ (يوسف: من الآية 30)- شغلت بعض شرائح المجتمع المصري واستهجن فعلتها ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (يوسف: من الآية 30)، مما قد يكون له تأثير على استقرار النظام، لذلك اعتقل الطرف الأضعف والمظلوم، لكنه المؤثر في الرأي العام، الذي يعمل له نظام الحكم ألف حساب وقتها والآن، لذلك الخطر الأحمر لدى النظام أن يتحول المعارض أو المصلح إلى شخصية جماهيرية ذات شعبية، عندها فقط يجن جنونه.


 

رابعًا: لاحظ معي كذلك قوله تعالى  ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ (يوسف: من الآية 36)، الإشارة الأولى في هذه الآية الكريمة تفيد أن اعتقال الشباب صغار السن كان أمرًا اعتياديًّا في ذلك الوقت- اعتقل العشرات من طلبة الجامعات في الفترة الماضية لنصرتهم المسجد الأقصى- كما تلاحظ أنه يفهم من الآية أنهم (دخلوا) السجن معًا، يعني كانت (ترحيلة) واحدة!! بمقاييس زماننا هذا، ثم أنهم حبسوا معًا، يعني لم يكن حبسًا انفراديًّا!!.


 

خامسًا: تأمل معي قوله تعالى ﴿قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا﴾ (يوسف: من الآية 37)، يعني كان يُصرف لهم طعام أو ما يطلق عليه في عرف السجون حاليًا (التعيين)!!.


 

سادسًا: ثم تأمل قوله تعالى ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ (يوسف: من الآية 42)، تفهم منها أن سيدنا يوسف قد شعر أنه قد نُسي في السجن، يعني اعتقلوه ثم نسوه كما يحدث اليوم لبعض المعتقلين!! ثم أنه لم يخرج من السجن- بعد أمر الله- إلا بدعم من أنصاره عندما ذكّر به الملك ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)﴾ (يوسف).


 

سابعًا: لو تتبعنا الموضوع في كتاب الله سرعان ما نجد أن منهج التعذيب واستعمال القسوة كان كذلك هو السمة الحاكمة في التعامل مع المعارضة اقرأ الآية ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)﴾ (طه).


 

هناك عشرات إن لم يكن المئات من الدروس والعبر التي حفلت بها السورة منها أن سيدنا يوسف ظل ثابتًا حتى النهاية على مبدئه ودعوته، فأخذ يدعو صاحبيه في السجن إلى الله، ورفض أن يخرج إلا بعد أن تبرأ ساحته، لكننا أخذنا منها فقط الإشارات القرآنية التي توصف بشكل دقيق الظروف الحالية التي يعيشها حاليًا المطالبون بالإصلاح في مصر، لكن أروع ما فيها أنها توضح لنا، أن هذا وحده هو طريق الأنبياء وأصحاب الدعوات، وأن العاقبة في النهاية للمتقين كما تقول الآية في نهاية القصة ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 90)، اللهم آمين.



الخميس، ١ أبريل ٢٠١٠

فى سبيل الله


فى سبيل الله  

نشر فى : إخوان أون لاين ، بر مصر ، نافذة مصر


بقلم / د ممدوح المنير



حين تتوالى عليك الأحداث الجسام ، و تذدحم أمامك عينيك مشاهد الظلم حين يطغى ، و الإستبداد حين يقوى و الخصومة حين تفجر ، و العدل حين يميل ، و يخذلك الصاحب و الأخ و الخليل ، قد يصيبك بعض المرار ، و تدمع عيناك ، و تغدو حزينا فى زمن الإنهيار ، ملتاعا فى عهد الإنكسار ، لكن إنتظر  توقف  ، إنها نقطة نظام .

هل جربت يوما أن تنظر لأعلى ؟! ، إلى ما فوق السحاب ، و فوق النجوم ، و فوق الفوق ذاته !! ، من تجد ؟! ، من ترى بعين قلبك  ونور بصريتك ؟! ، إنه الله  ، ما أروعها من كلمة  ، إنها الكلمة التى تلخص لك الكون كله .. الله ، نعم تلخص لك كل شىء!! ، فكر فى كل موقف  ، وفى كل حدث من الأحداث ، ألم أو أمل ، سعادة أم شقاء ، نور أم ظلام ، عدل أم ظلم ، حرية أم قيد ، نعم  هى الكلمة الوحيدة التى تعنى كل شىء و غيرها لاشىء !! .

قد يقول أحدكم على رسلك ، هل هذا مقال وعظىّ أم سياسى ؟! ، أقول لك بلا مبالغة إنه لون  من أصعب ألوان التحليل السياسىّ !!  ، فالتحليل السياسى يفكك كاتبه المشهد من جميع زواياه و يحلل كل جزء على حدة ، ثم يبدأ  فى إعادة تركيبه من جديد  طبقا لرؤيته ، هنا قد يقول آخر حنانيك لقد صعبت علينا الأمر و لم نفهم مرادك ، أقول لك دعنى أوضح رؤيتى ،  دعنا نفكك المشهد !! ثم نجمعه من جديد :

مشهد المجاهد المرابط فى البرد القارس ، فى عتمة الليل ، و هو يقاوم رغبة ملحة فى النوم اللذيذ و الفراش الوثير و الحضن الدافىء لماذا ؟!   إنه  الله !.

مشهد المرابطون فى باحات الأقصى و العدو يضربهم بالحديد و النار ، يمنعهم الطعام و الشراب ، يدافعون بصدورهم العارية ، و أحذيتم البالية !! عن الأقصى الأسير تمضى الساعات طويلة و لكنها خفيفة !! لماذا  ؟!     إنه الله .

مشهد المحاصرون فى غزة  و هم يقاسون ألم الجوع ، و شح الدواء ، و خيانة الأخ و الصديق ، يعلموننا درس الحياة ، تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها !! ، و لأنهم أحرار فى سجنهم ، فقد عاشوا يتطلعون مثل شيخهم  ياسين إلى السماء ، يفضلون الأباتشى مثله !! ، ما الذى صنع هذا الإباء النبيل ؟!    إنه الله .

مشهد الأخ المجاهد  حين يمشى فى تظاهره دفاعا عن المقدسات و الأعراض و يقف أمامه جندى من جنود الفراعين ، يقطع عليه الطريق و تلتقى العينان و ينعقد الحاجبان و يستعد الجندى للضرب أو للإعتقال من الذى صنع هذا المشهد و هذا التحدى ؟!  إنه الله .

مشهد المجاهد حين يكون آمنا مطمئنا بين زوجه و أولاده فى عتمة الليل البهيم و قد سكن كل شىء ، يجد فجأة  من يقتحم عليه داره و ينتهك حرماته و يروع أطفاله ، و يسرق ماله !! ، فيساق المجاهد وسط دموعه أطفاله الذاهلة و صرخات زوجته المكلومة لماذا كل هذا ؟!!   إنه الله .

مشهد المجاهد الأسير فى سجون الظالمين أو المحتلين و هو يجلس فى زنزانة حقيرة لا تصلح إلا للعبيد ، ينام على الأرض و يلتحف السماء ، يأكل ما تجود به نفوس الظالمين التى هى بلا جود ، يعيش فى زنزانته و تعيش فيه !! ، ويمضى به الحال هكذا ايام و شهور و بضع سنين و ربما عشرات السنين !! لما كل هذا التعب و هذا العناء .. إنه الله .

مشهد المجاهد حين يصلبوه  و أسمى آيات العذاب يسوموه ، فترتفع آلامه فوق صرخاته و زبانية الجحيم من حول يتناوبون عليه  فى شماته لا تخلو من حقد و من قسوة لا تخلو من كراهية ، و هو صابر محتسب صامد ، يالله لما كل هذا العذاب ؟! .... إنه الله .

مشهد الأم و الزوجة و الأخت حين يغيب عنها فلذات أكبادها و أحبتها خلف الأسوار أو تحت تراب النضال ، فتعيش المعاناة فى داخلها أو تعيش هى فيها !! ، تعلم صغارها  أن الأسر ثأر ، و أن العار نار ، و أن النصر صبر ، و أن الذل إندثار ، ، لماذا كل هذا ؟!   إنه الله .

جمع أجزاء المشهد و أبحث عن الرابط المشترك  ، لن تجد أمامك إلا الله ، حين يكون هو الغاية و هو المنتهى ، عندها فقط يهون كل شىء ، تنمحى الأحداث و التفاصيل و تدرك أن المدبر و الفاعل الحقيقى هو الله ، حينها يتلذذ الجريح بجراحه ، و المعذب بآلامه ، و الجائع بجوعه ، عندها فقط يصبح الموت حياة !! ، و الزنزانة فلاة !! ، و الحصار إنتصار ، و الرباط إرتباط بأعظم ما فى الحياة .....    إنه الله .


blogger templates | Make Money Online