الخميس، ٢٧ مارس ٢٠٠٨

"جوجل" والأمن القومي


نشر فى : إخوان أون لين ، نافذة مصر
بقلم : د/ ممدوح المنير
أثار حديث الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على قناة "الجزيرة" حول الأمن القومي الشجونَ من المحيط إلى الخليج.

حاول الأستاذ هيكل أن يعطيَ أهل الحكم في الدول العربية درسًا مجانيًّا في الأمن القومي، وبعد أن نظر وفكَّر وحلل، أخذ يدلل على فكرته من غياب للأمن القومي ببرنامج "جوجل إرث" الشهير (Google earth) ومدى قدرة البرنامج على كشف أدق تفاصيل أسرارنا العسكرية ومواقعنا الإستراتيجية لكل مَن يرغب وبضغطة زر واحدة وبالمجان!!.

رغم أن خدمة (Google earth) متاحةٌ للجميع منذ سنين، ويستخدمها مئات الملايين في عالمنا العربي والعالم، ولكن حديث كاتب كبير بقامة وقدر الأستاذ هيكل وعلى قناة بحجم الجزيرة، هو ما حرَّك الراكد، وأعاد فتح الملف على مصراعيه.

ولكني لا أخفي عليكم علمًا أنني- وأنا أشاهد حلقة الأستاذ هيكل- أحسستُ برغبةٍ كبيرةٍ في الضحك، ليس بالطبع من الأستاذ أو كلامه، ولكن من تفاؤله الشديد وحسن ظنه من أن في العالم العربي أنظمةَ حكمٍ تعرف معنى كلمة "الأمن القومي" وتعمل لها حساب، وبالتالي تطوَّع كاتبنا الكبير مشكورًا بإعطائها وجبةً دسمةً حول الموضوع سالف الذكر!.

أعرف أن- في نهاية المطاف- المستفيدَ الوحيدَ من كلام أستاذنا الكبير هي شركة جوجل التي وفَّر لها أستاذنا- من حيث لا يقصد- دعايةً لم تحلم بها يومًا ما!، وأخشى أن أقول لكاتبنا الكبير إن أنظمة الحكم عندنا في العالم العربي واحد من ثلاثة: لا تعرف معنى الكلمة ولكن نوازع وأعراض الانبطاح لديها أكبر بكثيرٍ من دواعي الصمود والإباء، أو تعرف ولكنها لا يعنيها من قريبٍ أو بعيد هذا الموضوع، المهم هو فقط مدى نجاحها في الاستمرار والثبات على كرسي الحكم بغض النظر عن أي شيء آخر.

وأخيرًا تعرف ولكن دواعي الخيانة والعمالة هي الأعلى صوتًا، حتى إنه يخيل للمرء حينًا أن بعضهم ربما عاتب شركة "جوجل" على ضعف جودة صورها، وربما طالبوها باستخدام أقمار صناعية أكثر كفاءةً وقدرةً!!.

أعلم أن البعض قد يتهمني نوعًا ما بالمبالغة، ولكن دعوني أذكر لك بعض المواقف المجهولة؛ حتى أستطيع أن أكتب المقال القادم بإذن الله وأترك لك الحكم، وأنا على يقين أنك جديرٌ بهذا.

دول عربية تسمح بإنشاء قواعد عسكرية ضخمة لدول معادية على أرضيها، وبعضهم وقَّع معها عقودًا طويلة الأجل.

دول أخرى تشتري أسلحةً وذخائرَ للتخزين فقط بمليارات الدولارات سنويًّا من أعدائهم، الذين يعلمون كل صغيرةٍ وكبيرة عن هذه الأسلحة، والكثير منها مليء بأجهزة التجسس التي تنقل لهم المعلومات أولاً بأول، بل والأعجب من ذلك أن هناك دولاً عربيةً لا تكتفي بشراء الأسلحة، ولكن تستأجر أيضًا من أعدائها مَن يتولَّى استخدامها من طيارين وفنيين ونحوه، وتصرف عليهم مليارات الدولارات، ولا تسألني كيف ولماذا؟!.

جميع الدول العربية بلا استثناء تستخدم اتصالاتٍ فضائيةً تملكها شركاتٌ ودولٌ أجنبيةٌ تنقل ما يدور من أحداث وقرارات لحظةً بلحظةٍ لأعدائك، جميع الدول العربية محاطة بشكلٍ أو بآخر برًّا وبحرًا و جوًّا بقوات عسكرية لدول تُصنَّف بالنسبة لنا بالمعادية.

وألقِ بنفسك نظرةً سريعةً على الخريطة لتتيقن بنفسك!، هذا فضلاً عن أن أغلب- إن لم يكن كل الدول العربية- تعتمد بشكلٍ شبه كلي في علاجها وغذائها على ما يجود به علينا أعداؤنا، "وسلم لي على الأمن القومي"!!.

أخيرًا وليس آخرًا، أختم بالتصريح الأخير لأولمرت- رئيس وزراء الكيان الصهيوني (ألد أعدائنا بلا منازع)- وهو يقول في تصريحٍ نشرته له صحيفةٌ صهيونيةٌ شهيرةٌ مطلع يناير الحالي، يقول فيه إنه يُصلي يوميًّا ويلهج بالدعاء لكي يطيل الله عمر رئيس دولة عربية كبرى ويديم عليه نعمة الصحة والعافية!!!؛ لأنه لا يتخيل كيف سيكون أمن وسلامة إسرائيل في حالة غيابه!!.

لقد ذكرتُ لك تصنيف دولنا في تعاملها مع الأمن القومي، وذكرتُ لك الأمثلة، وأترك لك- عزيزي القارئ- توزيعَ هذه النماذج على التصنيفات الثلاثة؛ لأني في الحقيقة أضع اعتبارًا كبيرًا لأمني القومي الشخصي!!.

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online