الاثنين، ٣١ مارس ٢٠٠٨

الجيش المصري ومعركة الخبز!!

نشر فى إخوان أون لين


د/ ممدوح المنير

تعود الكُتَّاب على توصيف أزمة الخبز التي يعاني منها الشعب المصري منذ فترة طويلة بالمعركة مجازًا لتوضيح حجم الكارثة الواقعة، وخاصةً بعد أن أصبح لها ضحايا ومصابون.

ولكني أعتقد أنه لم يدُر بخلد كاتب أو صحفي أن تتعامل حكومتنا الموقرة مع المجاز على أنه حقيقة تستدعي تدخُّل القوات المسلحة لحسم المعركة! وتصبح إحدى المهام الجليلة التي أصبح جيشنا العظيم مكلفًا بها هي النصر في معركة الخبز الدائرة حاليًا، هل تدخُّل الجيش المصري يعتبر اعترافًا عمليًّا من النظام بفشل الحكومة في احتواء الأزمة؟ وإذا فشلت حكومة في احتواء أزمة كهذه فما المنتظر منها أن تفعله مع أزمات أخرى في الطريق؟ الكثير منها يدق الأبواب والبعض دخل بالفعل!

أمر آخر لافت للانتباه لماذا لا تستقيل الحكومة؟ بلاش الحكومة.. لماذا لا يستقيل الوزير الذي فشل في حل الأزمة؟ إن لم تكن سياساته في الأصل هي أحد أسباب الأزمة الحالية فلماذا لا يستقيل؟! أعرف أن بعض من يقرأ المقال الآن ربما انقلب على ظهره من الضحك من الحديث عن مطالبتي للحكومة بالاستقالة، وأُطمئن القارئ العزيز أني شخصيًّا انقلبت من الضحك منذ زمن بعيد!.

من المتسبب في الأزمة السياسة أم الاقتصاد؟ سؤال غير بريء بطبيعة الحال، السياسة هي التي تصنع الاقتصاد، حقيقة لا مراء فيها والمشكلة عندنا في مصر أنه لا سياسة ولا اقتصاد! فقط سنج ومطاوي وخراطيم المياه وخوازيق ونحو ذلك وما الله به عليم.

لذا فإني صراحةً أشفق على المحللين المختصين في الشأن السياسي أو الاقتصادي أثناء تناولهم للحالة المصرية التي ليس لها مثال سابق أو لاحق يمكن القياس عليه، كما أنها لم تدرس في كتاب أو تذكر في مرجع أو حتى تصبح أضغاث أحلام لدى البعض، ولكني أعتقد أن أفضل من يحلل هذه الظاهرة أو الحالة هو الأخ شعبان عبد الرحيم مع كامل احترامي لأهل الحل والعقد.

سؤال آخر إذا كان النظام استدعى الجيش من أجل القيام بالخبز والعجن فماذا سيفعل النظام مع أزمة المياه وارتفاع الأسعار والمواصلات والتعليم؟ أخشى ما أخشاه أن يستهلك الجيش في العجن، فيتم استدعاء قوات أجنبية لمواجهة باقي الأزمات!!.

سؤال غير بريء أيضًا ماذا سيحدث إذا فشل الجيش في حل الأزمة؟ وهذا هو المتوقع لأن الموضوع خارج اختصاصه بالأساس، كما أن الأزمة سياسية أكثر منها تموينية، أزمة ضمير قبل أن تكون أزمة طوابير، أزمة نفوس قبل أن تكون فلوس، أزمة وطن استنجد به عمر بن الخطاب في عام المجاعة؛ فأرسل والي مصر قوافل الحبوب والغذاء أولها عند قدم سيدنا عمر في المدينة وآخرها عند قدم والي مصر، هذا هو لبُّ الأزمة باختصار، وطن هو منبع الخيرات يحكمه ثلة هي منبع الشرور.

مكمن الخطر الكبير في الأزمة أن النظام أدخل الجيش المصري في لبِّ الحياة المدنية بتفاصيلها المعقدة؛ مما جعله ينتقل من درجة المشاهد للفاعل، والفاعل يحاسب على سلوكه، وهنا الخطر من يحاسب الجيش إذا لم ينجح في تجاوز الأزمة التي لم يكن طرفًا فيها بطبيعة الحال؟! وماذا سيفعل النظام مع الشعب إذا استمرت الأزمة في التصاعد واستمرت وتيرة الغضب في الارتفاع؟!

أخشى ما أخشاه أن يكون تدخل الجيش لعجن الدقيق مقدمة لعجن المواطن الذي لن تتوقف ثورته خاصة أن الشائعات تملأ مصر من أن الجيش المصري يستعد الآن لصد الثورة المتوقعة من الشعب على تدهور الأوضاع وهذه هي أم الكوارث بحق إن صحت هذه الشائعات التي أتمنى من كل قلبي أن تكون خاطئةً وألا يكون لها نصيب من الصحة.

ولكنَّ نظامنا الأبله وضع الجيش في موقف حرج للغاية، فجيش مصر العظيم الذي نفخر به جميعًا ليس من واجبه الخبز والعجن بل حماية الثغور والذود عن الوطن والكرامة ولكن دخوله في المعادلة السياسية سيجعل منه طرفًا شاء البعض أم أبى، لذا فإني أخاطب العقلاء في النظام- نفسي أعرف واحدًا منهم!!- أن يتقوا الله في جيش مصر وشعب مصر.

أمر أخير لا أجد له تفسيرًا، وأعجب له غاية التعجب، معظم دول الخليج دول ملكية تقوم على توريث الحكم، وهذا أمر يتنافى مع الديمقراطية والإسلام، ورغم هذا تحرص هذه الأنظمة على إراحة شعبها وتوفير احتياجاته الأساسية والتكميلية كذلك، فلماذا لا يفعل نظامنا ذلك وسيبايعه الشعب لألف سنة قادمة؟!

هنا قد يعترض البعض ويقول هذه دول نفطية تسبح على بحور من الذهب الأسود، وردي على ذلك أنه من فكر وقدر سيدرك جيدًا أنها مسألة نفوس كما قلت وليست مسألة فلوس.

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online