الثلاثاء، ٢٥ مارس ٢٠٠٨

بلد مجالس صحيح

بقلم د ممدوح المنير

عندما قرأت أن مصر ستُنشئ مجلسًا أعلى للطاقة النووية، لا أدري لماذا شعرت برغبة في الضحك، ولكنه ضحك كالبكاء، إذا أردت تعرف لماذا، فانظر- يرحمك الله- إلى أي كارثة أو مصيبة في مصر، ستجد خلفها وعن يمينها وشمالها مجلسًا أعلى أو قوميًّا..ألفاظ ضخمة وكبيرة، توحي بأن أمرًا جللاً سيحدث!! فتنشأ المجالس، وتعقد اللجان، وتكتب الصحف، وتتسابق الفضائيات- الحكومية بالطبع- تتحدث عن الحكمة البالغة، وتبشر بفجر جديد وغد أفضل، مع حديث رائع عن القفزة المنتظرة والمستقبل المشرق، الذي ينتظر الملايين جرَّاء إنشاء المجلس الأعلى أو القومي وخلافه، والمحصلة على أرض الواقع لا شيء، اللهم إلا الملايين الضائعة، والألقاب الرنَّانة، التي يحصل عليها منتسبو هذه المجالس، مع توفير مادة دسمة لوسائل الإعلام، تملأ مساحةً لا بأس بها من وقتها، بين الإشادة في الحكومية منها والإدانة في المعارضة منها؛ لتدرك- بما لا يدع مجالاً للشك- التناسب الطردي الحاصل بين ضخامة اللفظ أو الاسم وحجم الكوارث المنتظرة، وبالمثال يتضح المقال.
1- المجلس الأعلى للشباب والرياضة.. والنتيجة صفر المونديال في الرياضة و6 ملايين مدمن من الشباب، فقط من سن 15 إلى 25، و71% من الشعب لا يمارس أي نوع من أنواع الرياضة!!
2- المجلس القومي لحقوق الإنسان.. والنتيجة إما الإلقاء من الشرفات أو في مياه الترع، وإذا سلمكم الله منهما فالخازوق في انتظارك!!
3- المجلس القومي للطفولة والأمومة.. والنتيجة أننا الدولة الوحيدة في العالم التي تنشأ مستشفى لسرطان الأطفال وتتسوَّل من أجله؛ لأننا ببساطة شديدة أعلى معدل إصابة بسرطان الأطفال في العالم!! أما عن الأمومة فسأل عن اللبن المدعَّم الذي ارتدى "طاقية الإخفا"، أو لقمة العيش التي أصبحت كل أم مصرية تناضل يوميًّا من أجلها.
4- المجلس القومي للمرأة.. والنتيجة 9 ملايين عانس وأكثر من 20 ألف حالة اغتصاب سنويًّا، وسحل واغتصاب للصحفيات على مرأى ومسمع من الجميع!!.
5- المجلس الأعلى للصحافة.. والنتيجة حبس خمسة رؤساء تحرير والعديد من الصحفيين، وإغلاق العديد من الصحف.
6- مجلس الأمن القومي، يا حفيظ، والنتيجة دولة عربية محتلة، لا يجد أبناؤها لقمة العيش وعدو مدجَّج بترسانة نووية على البوابة الشرقية، والجنوب دولة عربية أخرى يتم تقسيمها وإقامة قواعد عسكرية غربية بها بالقرب من حدودنا، وانتهاءً بلبنان الذي يجري هو الآخر تفجيره، وفتن طائفية تشتعل بين الحين والآخر في داخل الوطن وإضرابات واعتصامات بالمئات في العام الواحد.

بالطبع أنا على يقين من أنني قد نسيت بعضها، ولا أخفيكم علمًا أنني جاهدت لتذكر أسماء من ذكرت من هذه المجالس، لكن العيب ليس عيبي؛ فهي اختارت أن تظل بلا نبض أو روح، وأن تظل شكلاً بلا مضمون، وربما المجلس العربي الوحيد الذي ينبض بالحيوية هو المجلس- الجلسة العربي- الذي في بيتنا!!

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online