الأربعاء، ٤ نوفمبر ٢٠٠٩

لاشىء و كل شىء

لا شىء و كل شىء !!
نشر فى : المركز الفلسطينى للإعلام ، نافذة مصر ، بر مصر ، الشرقية أون لاين د ممدوح المنير ذكرتنى الأحداث الإجرامية الأخيرة التى قامت بها قوات الإحتلال الصهيونية ضد الحرم القدسى الشريف بالفيلم الأمريكى ( مملكة السماء ) و الذى تم إنتاجه فى عام (2005 ) للمخرج البريطاني الأصل ( سير ريدلي سكوت) الفيلم الذى اعتقد البسطاءٌ من العرب والمسلمين أنه يعاملهم بشيء من الحيادية ، أو بشكل أقل سوءاً من الصورة النمطية للعرب والمسلمين في هوليود. لكن لا أدرى لماذا لم أشعر بالكثير من الراحة من توقيت عرض الفيلم مدبلجا بالعربية بالتزامن مع الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى مطلع شهر المنصرم ( أكتوبر ) و التى تتكررت هذه الأيام من جديد تمهيدا لتقسيمه بين اليهود و المسلمين كما حدث مع الحرم الإبراهيمى الشريف . الفيلم حافل بالمشاهد التى تروج لوجهة النظر الغربية و الإسرائيلية فى الصراع على المدينة المقدسة ، و التى يحتاج كل مشهد منها إلى مقالة مستقلة تفند هذه المزاعم ، لكن هذه المشاهد تظل مطمورة كالسم فى العسل وسط الإبهار الفنى الذى أمتع به المخرج مشاهديه . فالفيلم يروج للأسطورة اليهودية التى خدعوا بها العالم و لا زالوا من وجود هيكلهم المزعوم تحت المسجد الأقصى مما يوجد مبرر لما يفعله الصهاينة اليوم ، تحت و فوق و داخل المسجد الأقصى . كما يميّع الفيلم بشكل مدهش الوازع الدينى لدى الجيش المسلم ، فيجعل من عدم قيام الجيش الإسلامى بالتنكيل بالصليبيين فى القدس كما فعلوا هم عند إحتلالها مرده إلى خضوع صلاح الدين ( المنتصر) لشرط بطل الفيلم "باليان أبلين" قائد حامية القدس ( المنهزم ) بألا يتعرض لأهلها و إلا لن يسلمها له !! ، فرد عليه صلاح الدين عندما إشترط عليه ذلك قائلا ( أنا صلاح الدين ، أنا صلاح الدين ) و كأن السلام الذى نعم المسيحيون و اليهود به فى القدس يرجع إلى نبل صلاح الدين فحسب و ليس لأن تعاليم الإسلام ترفض ذلك . لكن ما لفت إنتباهى هو المشهد الأخير حين يجري حوار بعد معركة حطين بين "باليان أبلين" قائد حامية القدس و الناصر صلاح الدين ( الممثل غسان مسعود ) حين يقول – صلاح الدين - لباليان : "مدينتكم" أو "مدينتكم كذا... مدينتكم Your city" عن القدس، مما يسرب لعقل المشاهد أن الفرنجة هم أهل القدس الأصليين و المسلمون هم الغزاة المحتلون الطارئون عليها . و هذا الأمر هو نفس ما يحاوله الإسرائيليون الآن من فرض الأمر الواقع داخل المدينة المقدسة مع التزييف المستمر للتاريخ و الحاضر و المستقبل ، و يكفى للتدليل على ذلك الإستطلاع الأخير الذى أذاعته وسائل الإعلام عن أن غالبية الشعب الأمريكى يتبنى المواقف الإسرائيلية ، بالطبع تساور المرء الشكوك حول نتائج هذا الإستطلاع حيث يستشعر المرء وجود يد خفية صهيونية ، تزيف وعى المواطن الأمريكى و الغربى كما زيّفت التاريخ . ثم يسأل باليان الصليبى صلاح الدين الأيوبي أثناء تسليمه المدينة المقدسة : "ما هي قيمة القدس؟"، فيجيب صلاح الدين: " لا شي !"، وهو يسير مبتعداً ، ثم يلتف إليه مضيفا و هو يشير بإصبعه إلى نفسه – صلاح الدين - : " و كل شيء ! ". هذه الإشارة الخبيثة توضح مدى الرسائل المسمومة التى يحملها الفيلم ، و كأن كاتب السيناريو و المخرج أراد أن يوصل للمشاهد الغربى أن المدينة المباركة ليس لها قيمة حقيقة لدى العرب و المسلمين و لكنهم يضحون فى سبيلها فقط من أجل إسترداد الشرف و الكرامة التى أهينت بإحتلالها من قبل الفرنجة . فى حين حرص المخرج طيلة أحداث الفيلم على إبراز التضحيات الهائلة التى قام الصليبيين فى سبيل الحفاظ على المدينة مملكة الرب !! والتى تعنى لهم كل شىء فى حين أنها لا تعنى أى شىء لصلاح الدين أو للمسلمين !! . إن التاريخ الحقيقى المكتوب بالدماء و الدموع يعلمنا أن المدينة المقدسة و مسجدها المبارك كانت دائما هى النقطة الحرجة التى يستفيق عليها المسلمون من ثباتهم العميق فى عصور إنحطاطهم و تخلفهم الحضارى كما نحن الآن . إن التضحيات التى يبذلها المقدسيون فى سبيل الحفاظ على مسجدهم و أرضهم و ملايين الدولارات التى يرفضونها فى مقابل شراء منازلهم أو أمتار قليلة من أراضيهم ، كلها دليل حى عن أن فلسطين و القدس تعنى لهم و لنا كل شىء و من أجلها يهون كل شىء يا باليان و يا نتياهو و يا أوباما .

الجمعة، ٩ أكتوبر ٢٠٠٩

حصاد رمضان الفني .. فنون أم فجور؟

حصاد رمضان الفني .. فنون أم فجور؟!

نشر فى : إخوان أون لاين ، بر مصر

بقلم: د. ممدوح المنير

لا أعرف لماذا تصرُّ جهات الإنتاج الفني في بلادنا على تسفيه عقولنا وتحريك غرائز المشاهدين في رمضان؟! ما العداء الذي بين هذه الجهات ورمضان؟! تقريبًا كافة الأعمال الدرامية التي عُرضت على الشاشة كان هناك تنافسٌ محمومٌ فيما بينها على تسطيح عقل المواطن بشكل يبعث على الدهشة، ويجعلك تضرب كفًّا بكف؛ تعجبًا من هذا الكم الهائل من السقطات الفنية التي لا تنطلي على عقل طفل لا يحسن التمييز. ليس هذا فحسب، بل حرصت تقريبًا معظم المسلسلات والبرامج على كسر محظورات الجنس والدين؛ للمزايدة فيما بينها وفي محاولة غير شريفة لجذب المشاهد إليها بأساليب أقل ما توصف به "الدعارة الفنية"!!، تشعر عندها أن القائم على هذه الأعمال ليس لديه سلطان من ضمير أو وازع من دين أو حتى حياء من أعين المشاهدين. إذا أحسنَّا بهم الظنَّ على استحياء قلنا إنها شهوة المال التي تعمي القلب وتحجب العقل، وإذا حكَّمنا عقولنا قليلاً ذهبت أنفسنا بعيدًا في التأويل، فبين قائل بأن ما يحدث هو مؤامرة غربية عليها ألف دليل، تستهدف جعل القبح جمالاً، والشهوة عنوانًا، فلا يهدأ لهم بال، ولا يغمض لهم جفن، ولا يجفّ لهم عرق حتى يقضوا على البقية الباقية من عنفوان هذه الأمة وكرامتها وعزتها، فنظل أبد الدهر مفعولاً بنا، لا فاعلين. وبين قائل بأنها يد الحكومة العابثة تريد أن تلهينا بملاهيها التي لا تنفذ، فهي تيسِّر الحرام ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتعسِّر الحلال، فلا تجعل دونه سبيلاً، فيظل رعاياها أسرى ملذاتهم وشهواتهم، يدورون في فلكها حيث دارت، ويفرحون لها ما استطالت، فتظل حاكمةً مسيطرةً، وعلى الصدور جاثمة، حتى تتعفَّن على كراسيها، أو نتعفَّن نحن من معاصينا!!. وهنا قد يقول قائل: حنانيك.. قد بالغت في الظن، وتجاوزت في الطعن، وحمَّلت الأمور أكثر مما تحمل، وهنا أجد نفسي مضطرًّا اضطرارًا أن أخوض فيما لا أحب الخوض فيه؛ لأن لكل قول حقيقة ولكل دعوى بينة، وبالمثال يتضح المقال. بدايةً كان حجم الإنتاج التليفزيوني في رمضان يفوق المعقول، فقد بلغ عدد المسلسلات التي أنتجها التلفزيون المصري وحده نحو خمسين مسلسلاً، عرضت جلها في رمضان!! ولو قمنا بحسبة بسيطة، وقلنا إن كل مسلسل مدته خمسٌ وأربعون دقيقة ثم ضربنا الرقم في ثلاثين حلقة؛ لوجدنا أن الرقم هو (اثنان وعشرون ونصف الساعة)!!؛ بمعنى أن المسلسل الواحد تشاهده يومًا رمضانيًّا بكامله (أربعًا وعشرين ساعة)، ولا وقت لديك للنوم أو الصيام أو القيام أو حتى الطعام!!، ثم إذا حسبت أن هناك خمسين مسلسلاً سرعان ما تدرك أن عليك أن تقضي رمضانين كاملين لا رمضانًا واحدًا؛ لتكمل أورادك التلفزيونية!! معتكفًا عن كل شيء في الحياة إلا المسلسل!، لمصلحة مَن هذا العبث المجنون؟ كيف يتم تحويل شهر القرآن إلى شهر القيان؟!. ليس هذا فحسب، بل أصبح الإعلام المصري يتأثر بظاهرة النجم الأوحد الذي لا يغيب عنا في مشهد من المشاهد؛ حتى لا نُحرم من طلعته البهية، وإمكاناته العليَّة، فأصبحت الكثير من المسلسلات تبعث على الملل، وتفضي إلى النعاس، وربما كانت هذه إحدى حسناتها القليلة!. هذا فضلاً عن المشاهد الغير منطقية، والتي توضح مدى استخفاف جهات الإنتاج بعقول المشاهدين، فأنت تشاهد أحدث أجهزة الكمبيوتر المحمول في مشهد المفروض أنه من ستينيات القرن الماضي، كما ظهر في مسلسل "حرب الجواسيس" مثلاً!. هذا فضلاً عن الإطالات المملَّة والغير منطقية لكثير من المشاهد؛ لإيصال عدد الحلقات إلى ثلاثين حلقة، رغم أنف المشاهد أو القصة، هذا إذا كان هناك قصة بالأساس!. ثم نأتي لأم الكوارث.. الكم الهائل من المشاهد الساخنة التي امتلأت بها المسلسلات الرمضانية، بشكل يجعل إبليس يتحسَّر أشدَّ الحسرة على مكانته التي ضاعت، وحِيَلِهِ التي توارت أمام أبالسة البشر، فلم يكتفوا بالمشاهد الصريحة، بل أضافوا إليها اللفظة والحركة والإيماءة والإشارة الخادشة للحياء.. آسف.. من قال إنها خادشة؟! إنها مذهبة له الحياء!!.. بل ناسفة له، كل ذلك في ظل منافسة رخيصة على مشاهد مسكين، لا يدري حقيقة ما يُدبَّر له. ويكفينا أن نذكر مسلسلاً كمسلسل "الباطنية" الذي بلغ الذروة- كما يقول النقاد- في الاتِّجار بغرائز المشاهدين، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ولم يكتفوا بذلك، فالذي لا يهوى المسلسلات لم يتركوه في حاله ويُخلوا سبيله!!، بل نقلوا خبائثهم إلى البرامج المتلفزة، فأصبح الغالب على الكثير من البرامج أحاديث الجنس الصريح!! وكأن مشكلاتنا قد حُلَّت ومآسينا قد انتهت، ولم يبقَ لنا إلا أحاديث الغرف المغلقة. فبرنامج "لماذا؟!" مثلاً على قناة "القاهرة والناس" تجاوز كل محظور، والبرنامج يقدمه "طوني خليفة"، فقد استضاف على سبيل المثال إيناس الدغيدي، وما أدراك ما إيناس الدغيدي!!، وعندما سألها المذيع عن إمكانية ارتدائها الحجاب قالت: "ربنا ما يكتبه عليَّ"!!. ولم تكتفِ بذلك، بل عندما سألها المذيع: ماذا لو اكتشفت أن ابنتها تعاني من الشذوذ الجنسي؟ ماذا تفعل؟! فقالت: "لن أفعل شيئًا"!!، مبررةً ذلك بأن ابنتها تعيش بالخارج في مجتمع متحرر، وبالتالي فهي حرة تفعل ما تريد!!. هذه الأمثلة طبعًا قطرة من فيض مما عُرض في رمضان. ما الإضافة أو القيمة التي يحظى بها المشاهد من رؤية هذه المسلسلات أو البرامج التي تتخذ من غرائز المشاهدين وسيلةً لجني المال والشهرة؟! أليس لكل مجتمع معتقداته وأعرافه وتقاليده التي يجب أن تُحترم؟، أليس من واجبات التخلف الحضاري الذي نحيا فيه أن نهتم بما يبني لا ما يهدم، وبما يعمِّر لا ما يخرِّب؟! هل من حق فئة محدودة من الناس أن تفرض أخلاقياتها وسلوكياتها على الجميع؟ أم أنها ديكتاتورية فنية تابعة لعهود الطغيان والاستبداد السياسي الذي نحياه؟! ألا يخشى هؤلاء من أن يكونوا ممن تعنيهم الآية الكريمة ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19)﴾ (النور)؟! أليس لهذه الأمة دينٌ ودستورٌ ومنهاجٌ ضابطٌ لسلوكياتها، حاكم لتصرفاتها، يجب أن نحترمه جميعًا، ونعتبر أنه المرجعية التي يجب أن نرجع إليها، ما دامت هذه الأعمال تشاهدها جموع الأمة لا آحادها؟! إن المشاهد الساخنة ليست فنًّا، فكل امرأة تكشف جسدها، وتتميَّع في كلامها؛ تستطيع أن تؤدي هذه المشاهد. إن الفن الحقيقي هو الذي يتقمَّص فيه الممثل دورًا يحتاج فيه إلى كثير جهد وإتقان، أمَّا خلع الملابس للإغراء فلا يحتاج إلا إلى القليل من الحياء. لقد ذكرني مشهد هؤلاء (النجوم) وهم يتاجرون بأجسادهم ابتغاء الشهرة بالقصة التاريخية التي ختمت بها مقالاً سابقًا لي عن فيلم (حين ميسرة)، تقول القصة: "إنه في أحد العصور الإسلامية حاول أحد الرجال أن يتبوَّل في بئر زمزم- اطمئنوا لم يستطع- فأمسك به الحرس، وأتوا به إلى الخليفة، فسأله مستنكرًا: ما حملك على هذا؟! فقال: "أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعن"!!.

الخميس، ٢٧ مارس ٢٠٠٨

حين ميسرة و فوضى الإبداع


نشر فى موقع إخوان أون لين ، نافذة مصر


بقلم: د/ ممدوح المنير

لا شك أن فيلم (حين ميسرة) الذي يُعرَض حاليًّا على شاشة السينما في مصر قد كشف المستور، ليس لسكان العشوائيات فحسب، ولكن لمجتمع بأكمله، والقضايا التي سلط الفيلم عليها الضوء كانت ولا تزال مفجعةً ومريرةً للجميع، وأنا هنا لا أتحدث عن قصة الفيلم وحسب، ولكن عن الضجيج الذي سبَّبه والجدل الشديد الذي دار حوله.

بدايةً أُعلن للجميع أني لم أشاهد الفيلم!! فأنا- كمواطن مصري- لست في حاجة لأن أشاهد فيلمًا حتى أعرف معاناة الناس، يكفي المرء أن يقف في شرفة منزله حتى يرى المعاناة على الطبيعة بلا رتوش أو مكياج!! لذا سينصبُّ حديثي على الجزء الذي فرض عليَّ مشاهدته، سواءٌ الإعلان أو النقاشات التي دارت حوله في الصحف أو شاشة التلفاز.

ربما كشف الفيلم مدى فقر وانحلال طبقة مسحوقة من المجتمع، تتحرك في سلوكها وحياتها بلا ضابط أو رادع ديني أو أخلاقي، منكفئةً على ذاتها بشكل لا يصدَّق، تنحصر متطلباتها في قضاء الحاجات الأساسية والغريزية في الحياة، فتجد معاني مثل (البلطجة- السرقة- الانحراف- الفقر- المرض- الألفاظ البذيئة) هي الإطار الذي تتحرَّك فيه أحداث الفيلم.

وعند هذه النقطة كان الفيلم في سياقه العام كاشفًا بحق عن هذه الأمراض التي تعاني منها هذه الطبقة، ولكن القضية التي تطرح نفسها هنا هي قضية المرجعية التي اعتمد عليها أبطال الفيلم حتى يخرج الفيلم بهذه الصورة.

لقد ثار جدل كبير حول جرعة الانحراف في الفيلم؛ فمن رافض لها بالمطلق، ومن مستاء فقط من كميتها، ويرى أنها أكثر مما ينبغي وممن يراها ضعيفة وأخذ يتأسَّف على الماضي الجميل الذي كانت تكثر فيه المشاهد والملابس الساخنة!!.

ولكن السؤال الذي أطرحه هنا: هل من حق المخرج أن يناقش قضيةً ما على شاشة السينما بناءً على مرجعيته ورأيه وتصوره الشخصي للحياة والحرية؟ الإجابة بالتأكيد نعم ولا!!، كيف؟ نعم من حقِّه أن يعبر عن رأيه وفكرته، ولكن ما دام سيخاطب بها المجتمع فيجب أن يعبر عنها بالشكل الذي يريده ويتقبَّله المجتمع؟ وهذا للأسف هو العنصر الغائب في الفيلم؛ فالمرجعية المعتمدة للمجتمع والتي يتحدث عنها الدستور في فقراته الأُولى هي أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ومن حق أي مواطن يرى أن هناك تشريعًا أو قانونًا ما لا يتوافق مع الشريعة أن يرفع دعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا ما ثبت عدم توافقه مع الشريعة تُسقطه المحكمة ويصبح هو والعدم سواءً.

وبالتالي فإن العقد الاجتماعي الذي توافقت عليه غالبية الأمة وارتضته عن طيب خاطر حاكمًا ومنظمًا لشئونها وراعيًا لمصالحها ومعبرًا عن طموحها هو الإسلام، وبالتالي فإن أي عمل فني يتصادم مع هذه المرجعية يُعتبر خروجًا عن أعراف المجتمع.

وهنا قد يحتجُّ أحدهم ويقول هذه الفرضية خاطئة؛ لأن إيرادات الفيلم حتى الآن توضِّح بما لا يدَع مجالاً للشكِّ أن هناك عددًا كبيرًا من المواطنين يقبل ما يطرحه الفيلم، وبالتالي فمن حق المخرج ومن حق هذه الشريحة أن تخاطَب بما تحب أن ترى وتسمع؟! وهذا بالطبع قول مردود، لماذا؟!

أولاً لأنه ليس كلُّ من شاهد الفيلم وأمثاله معجَبًا بما رأى، فهناك من رفض بشدة الشكل الذي عالج به المخرج القصة.

ثانيًا إن شاشة السينما وسيلة تثقيفية بالأساس، وبالتالي فدورها أن ترفع من ذوق الناس لا أن تهبط إلى مستواهم.

ثالثًا ليس معنى أن هناك شريحةً ما من المجتمع تحب أن ترى هذا اللون من الفنون أن يتم فرضه على الجميع لماذا؟ لو كان هذا المنطق سليمًا لجاز أن نعرض أفلامًا إباحيةً بالكامل على شاشة التلفاز؛ لأن هناك الكثير من الغواني والمومسات اللاتي يحببن هذا اللون من الفنون، ولجاز أن نعرض فيلمًا يحث على السرقة ووسائلها؛ لأن في المجتمع عشرات الآلاف من اللصوص الذين يحبُّون أن يشاهدوا هذا اللون كذلك!!.

رابعًا مخاطبة غرائز الناس واستثمار ما يعاني منه المجتمع من أمراض وكبت نتيجة وجود عشرات الملايين من العزَّاب والعوانس والمطلقات والأرامل والمراهقين الذين لا يجدون المنفذ الشرعي لقضاء وطرهم، يعدُّ وسيلةً - آسف أن أقول ذلك- رخيصةً لجني المال.

خامسًا ما القيمة الفنية أو الإضافة التي يتلقَّاها المشاهد من رؤية رجل يضاجع زوجته أو خليلته؟ أو رجل يغتصب امرأة؟ وعلى افتراض أن هناك قيمةً ما في عقل المخرج أو كاتب السيناريو من هذه المشاهد الفاضحة، فهل تستحق هذه القيمة أن نضحِّي من أجلها بأخلاق المجتمع ونكشف عوراته ونقضي على حيائه؟!

إنني أرجوهم أن يخبروني ما هي هذه القيمة التي تستحق كل هذه التضحيات؟ إنني أطالب أبطال الفيلم- سواءٌ كانوا أمام الشاشة أو خلفها- ألا يقدموا لنا ما يتصادَم مع أخلاقيات المجتمع في مجمله وتأباه الفِطَر السليمة، إنني أعلم جيدًا أن عنصر الإثارة الجنسية هو عنصر التشويق الوحيد الذي يعتمد عليه أغلبية المنتجين لجني المال؛ لأنه الأرخص سعرًا، كما قال لي أحد المخرجين، ولكننا نعلم جيدًا في مرجعيتنا الإسلامية أن الغاية لا تبرِّر الوسيلة؛ لا بد أن تكون كلاهما نقيةً وشريفةً (الغاية والوسيلة).

أعلم كذلك أننا كأصحاب مشروع حضاري نقدمه للأمة ما زلنا نعاني من قصور شديد في هذا الجانب، وأننا لم نستطع حتى الآن أن نقدم بديلاً قادرًا وكافيًا لإشباع حاجات الناس، ربما كان السبب تقصيرًا منا، أو ربما حجم الضغوط الهائلة التي نتعرَّض لها لا تسمح بالتطور المأمول في هذا الجانب، وربما كان كذلك نتيجةً لعدم حسم الكثير من القضايا الفكرية والفقهية المتعلقة بالفن.

لذا فإنني أطالب وأرجو وأتمنَّى من كافة المنشغلين بقضايا الأمة أن يضعوا الفنون كافةً- والسينما خاصةً- في مقدمة أولوياتهم؛ لأنها بحق فنونٌ رائعةٌ إذا أُحسن استغلالها وربما كان مشهدٌ سينمائيٌّ مؤثرٌ كافيًا عن آلاف الكتب والمحاضرات، وفيلم "الرسالة" و"عمر المختار" ليسا منا ببعيد!!، ولدينا الأنموذج الإيراني الذي استطاع أن يحصد الجوائز العالمية في السينما ويفرض احترامه على الجميع دون أن يتنازل عن ثوابت المجتمع وأخلاقه؛ لذا فهو أنموذج جدير بالدراسة والتأمل.

أعتقد كذلك أنه حتى في المجتمعات الغربية الآن والتي هي قبلة الكثير من العاملين عندنا في حقل السينما، تصاعدت حدَّة الرفض للمشاهد الإباحية، بل إن هناك عددًا من كبار الممثلين في الولايات المتحدة أعلن ندمَه على تمثيل هذه المشاهد الساخنة وتعهَّد بعدم تكرارها! وبالتالي فما قُدِّم هنا تأباه الفطرةُ السليمةُ، لا في مصر وحدها وإنما في العالم أجمع.

أخيرًا.. عندما شاهدت إحدى الممثلات الباحثات عن الشهرة والمجد في الفيلم وقد كشفت من جسدها أكثر مما سترت، تذكَّرت قصةً طريفةً حدثت في أحد العصور الإسلامية عندما حاول أحد الرجال أن يتبوَّل في بئر زمزم- اطمئنوا لم يستطع- فأمسكه الحرس وأتوا به إلى الخليفة، فسأله مستنكرًا: ما حملك على هذا؟! فقال: "أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعن"!!.

blogger templates | Make Money Online