الجمعة، ٢٨ مارس ٢٠٠٨

الرجل الذى أحيا فكرته بموته !!


نشر فى إخوان أون لين ، نافذة مصر


بقلم: د. ممدوح المنير


كان فيه من الساسة دهاؤهم، ومن القادة قوتهم، ومن العلماء حججهم، ومن الصوفية إيمانهم، ومن الرياضيين حماسهم، ومن الفلاسفة مقاييسهم، ومن الخطباء لباقتهم، ومن الكتاب رسالتهم، وكان كل جانب من هذه الجوانب يبرز كطابعٍ خاص في الوقت المناسب) "روبير جاكسون".

ونحن نحتفل بذكرى استشهاد الإمام حسن البنا (12 فبراير) كان لا بد من كشف حساب، ومراجعة لفكر هذا الرجل الذي يمثل في حياته ومماته قيمةً من النادر أن تتكرر في التاريخ.

أزعم أن المساحة تضيق عن الإحاطة بهذا العنوان الكبير، ولكن حسبنا أن نومض ومضات سريعة عن الرجل وأتباعه، نعرف من خلالها أين نقف من هذا المشروع الذي تجاوز حدود الزمان والمكان، ليملأ كذلك القلوب والعقولأحب أن أشير بداهةً واحترامًا مني لعقلية القارئ أنني لا أستطيع، وأنا أكتب عن هذا الرجل العظيم أن أكون محايدًا، حقيقة ينبغي أن يعيها القارئ جيدًا، وأزعم أنني لستُ وحدي كذلك.

لا شك أن الرجل كان متميزًا غاية التميز في شخصيته وأنا لا أتحدث عن إعجاب أتباعه من أبناء حركة الإخوان المسلمين، ولكنه إعجاب كل صاحب فكرة، ورسالة ومنهج أين كان اتجاهه أو مشروعه فهو نموذج بالغة الروعة لكل صاحب قضية عادلة يناضل من أجلها، وتزداد الروعة ويعلو بريقها إذا كان هذا المشروع إسلامي الأساس، رباني التوجه، يتصالح مع الواقع ولا يتصادم معه، يستوعب الأحداث، ولا تستوعبه، يؤثر فيها أكثر مما تُؤثر هي فيه.

الرجل الكاريزما
أعتقد أن أحد الصفات الأساسية والحيوية التي يحتاجها أي زعيمٍ سياسي أو مصلح اجتماعي في عصرنا هي صفة الكاريزما تلك الصفة الآثرة التي يستطيع بها الرجل أن يملك العقول والقلوب ويوجهها الوجه الصحيحة بدونها سنظل نتحرك بسرعة السلحفاة في المشروع الإصلاحي، وأنا هنا لا أتفق مع الذي يربطون وجود هذه الصفة بتاريخٍ نضالي طويل، وعريض لصاحب هذه الصفة، وإن كنت لا أنكر أهميتها ولكن حسن البنا في طريقه للقلوب، والعقول لم يكن يملك هذا التاريخ لسبب بسيط أنه كان يصنعه حينها!!.

ولكن أزعم أن خمس صفات توافرت فيه شكلت الكاريزما الخاصة به أعتقد أنها كانت كافية لتفيض على غيرها من الصفات (إخلاص عميق لفكرته، استيعاب كامل للبيئة التي يعيش فيها، تضحية بلا حدود، ضبط عالٍ لإيقاع الأحداث وحسن التعامل معها، فهم عميق لطبائع النفس البشرية مع معرفة لغة الخطاب المناسبة لكل فئة مما يسهل قيادتها وتوجيهها).

المشروع السياسي لحسن البنا
من الممكن تقسيم المشروع السياسي لحسن البنا إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:
أولاً- معركة التحرر الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر ابتداءً من الدعم المعنوي والمادي والاحتضان لكافة حركات التحرر الوطني في العالم الإسلامي وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وانتهاءً بتكوين النظام الخاص الذي كانت مهمته القيام بالعمليات الفدائية ضد المصالح البريطانية في مصر إلى المشاركة بحرب فلسطين، وإذا تتبعنا هذا المسار نجد أنه حتى بعد وفاة المؤسس ظل هذا النهج الجهادي المسلح متصلاً ومستمرًا في الفكر الإخواني في كافة الدول العربية والإسلامية الواقعة تحت الاحتلال فقط لا غير مثل (أفغانستان- الشيشان- فلسطين- لبنان- العراق)، وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكره يبين مدى أهمية هذا العنصر في المشروع السياسي للجماعة.
ثانيًا- كان الاتجاه الثاني أو محور الحركة لدى (البنا- الجماعة) هو النضال السلمي أو المعارضة السياسية ضد الأنظمة الحاكمة، ومطالبتها الدءوبة والمستمرة بالحكم بالشريعة الإسلامية والتي هي لب المشروع السياسي للإخوان وعندما نقرأ للبنا (أستطيع أن أجهر صراحةً بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا بعيد النظر في شئون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها.. وأعتقد أن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية، وإلا كانت هي نفسها تحتاج إلى أن تفهم الإسلام".

بهذا الكلمات الواضحة والقاطعة حدد حسن البنا موقع المعارضة السياسية السلمية من فكرته، ومشروعه الإصلاحي للأمة؛ ولكن لماذا كان هذا الاهتمام البالغ بهذا المحور في مشروعه؟

أعتقد أن سقوط الخلافة الإسلامية كان بمثابة الحجر الضخم الذي حرَّك الماء الراكد في النفوس، والشعور، وكان يوم السقوط هو نفسه يوم الميلاد لهذه الفكرة التي ما زالت لاعبًا رئيسيًّا على الساحة العربية والدولية (الإخوان المسلمون) كان حلم المؤسس وقتها يتجاوز قدرات الفهم والاستيعاب حينها، وأعتقد ونحن نحتفل بذكرى استشهاده أنها لا تزال كذلك!.

فالحديث حول عودة الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم ما زال محل دهشة واستغراب واستنكار لدى الكثيرين ولكن على أرض الواقع هل تبتعد الجماعة أم تقترب من تحقيق حلم مؤسسها، والذي أصبح فيما بعد فكرة أساسية في مشروعها الحضاري؟.

مما لا شك فيه أن الطموح السياسي للإخوان تعرض لكثير من التحديات والعقبات لأنه كان طبيعيًّا أن تقف الدول الغربية في طريقه فلم يكن سهلاً عليها أن تجد من يتحدث من جديد عن عودة الخلافة بعد أن استراحوا منها بعد جهد جهيد منهم ومنا للأسف! لذلك عندما رشَّح حسن البنا نفسه في الانتخابات النيابية كانت الضغوط الهائلة من الغرب على القصر وقتها لوقف هذا التقدم ولا يزال!.

وطبعًا لم تكن الدول الغربية وحدها بل كافة الأنظمة العربية الحاكمة وإلى الآن اعتبرت الإخوان المسلمين يمثلون تهديدًا مباشرًا لوجودهم فاستخدمت تلك الأنظمة كافة الوسائل لكبح جماح الإخوان بدءًا من الحل إلى التضييق إلى التشويه إلى السجن إلى التعذيب إلى القتل إلى الضرب بالصواريخ من أجل الإبادة- أحداث حماة في سوريا- وما حدث في الحقبة الناصرية والساداتية والمباركية ليس منا ببعيد! ولكن بعد مرور عشرات السنين على هذه الحادثة- ترشح البنا- عندما ننظر الآن على أرض الواقع نجد أن الإخوان تجاوزا هذه المرحلة، أو المراحل أو بمعنى أدق كان الاكتساح النسبي لمعظم المجالس النيابية في الوطن العربي بل العالم الإسلامي من الإخوان المسلمين خاصة والإسلاميين عامة.

ثم كانت مفاجآت العيار الثقيل عندما شكَّل الإسلاميون في تركيا العلمانية الحكومة- رغم التحفظ على أدائها في بعض المواقف- إلى المفاجأة الكبرى بتشكيل الحكومة الفلسطينية من قبل حركة حماس الإخوانية الجذور، فهل اقترب الإخوان من تحقيق الحلم أم ستنجح الضغوط في وقف المد الإخواني؟ أعتقد أن مَن يجيب عن هذا العنوان هي الفيزياء! التي تعلمنا أن الضغط يزيد من تقارب الجزيئات، وكلما زاد الضغط زاد التقارب حتى يصل الضغط إلى نقطة اللاعودة وعندها يحدث الانفجار والذي يكون في عكس اتجاه الضغط، ومن حسن حظنا أن هذه حقيقة علمية، وليست نظرية قابلة للتغيير.
ثالثًا- الاتجاه الثالث في المشروع السياسي للإخوان هو التحرك في وسط المجتمع ومحاولة توعيته دينيًّا أو كما يقول الإخوان في أدبياتهم إيقاظ الإيمان المخدر، بحيث تكون المحصلة النهائية أن الشعوب هي نفسها التي تشتاق للفكرة الإسلامية، وتطالب بعودتها إلى موقع الصدارة في حياتها وتترجم الإسلام إلى سلوكٍ عملي في حياتها.

وإذا تتبعنا هذا المحور تاريخيًّا نجد أن الإخوان قد حققوا فيه نجاحات باهرة، وقدموا الكثير من العلماء والدعاة الذين أخذوا على عاتقهم القيام بهذا الدور سواء المنتمين تنظيميًّا للجماعة أو المتعاطفين فكريًّا معها منهم الشيوخ والعلماء محمد الغزالي، سيد سابق، سيد قطب، يوسف القرضاوي، عبد القادر عودة، محمد قطب، محمد عمارة؛ عمرو خالد، كشك؛ زغلول النجار، فيصل مولوي؛ وغيرهم الكثير في كافة أنحاء العالم الإسلامي؛ لذا نجد أن الصحوة الإسلامية الحالية أصبحت هي الأصل، وغيرها هو الاستثناء، كذلك حاول الإخوان تغيير أنماط الحياة لتتلاءم مع مشروعهم الإصلاحي الإسلامي فساهموا في إنشاء البنوك والمصارف الإسلامية والتي أصبحت تكسب كل يوم أرضًا جديدةً.

كذلك في الفن أنشأوا الفرق والمسارح الإسلامية والروايات الإسلامية وغيرها من كافة أنماط الحياة، وهكذا يستطيع المرء أن يقول إن الإخوان المسلمين تحركوا في المسارات الثلاثة في توازن شديد مما يجعلنا نطمع أن حلم هذا الرجل العظيم ربما نفاجأ ذات يوم أنه أصبح حقيقةً واقعةً وليس أضغاث أحلام، اللهم آمين

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online