الأحد، ٢٥ يناير ٢٠٠٩

أوباما.. أول القصيدة كفر!!

نشر فى : إخوان أون لين

بقلم: د. ممدوح المنير

كان يومًا مهيبًا بحق، الرئيس تُحيط به الكاميرات من كلِّ جانب، تُلتقط له آلاف الصور، يتحرك بوقار، يرفع رأسه عاليًا في شموخ، يلوح بيديه يمينةً ويسرةً لملايين الأمريكيين، يُوزِّع الابتسامات هنا وهناك، يصل إلى منصةِ التنصيب، يرفع يده ليحلف اليمين، تتحجر العيون في مآقيها وترتفع الحواجب في دهشة وانبهار، يُقسم اليمين، ترتفع الحناجر بالتصفيق والهتاف، يُصبح أوباما رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، يُلقي خطبةَ التنصيب يُوزِّع فيها الأماني ويُبشِّر بفجر عالم جديد تسوده الحرية والعدالة والمساواة، تتعب الأيدي من كثرةِ التصفيق، ينتهي المشهد الهوليودي بشكلٍ فائق الروعة، يستحق مخرجه عليه جائزة الأوسكار، هنا فقط ينتهي دور هوليود وتبدأ ساعة الحقيقة

!!.

في سرعةٍ ووضوحٍ أحترمه عليها لم يترك أوباما للحالمين العرب فرصةً أن يعيشوا حلمهم الموعود فيه طويلاً، فسرعان ما فاجأهم بكابوسه الذي كشف فيه عن سياسته في الشرق الأوسط ثالث أيام تنصيبه رئيسًا، كانت صراحته واضحة إلى درجة البجاحة وبشكلٍ لم يُخفف الطموحات فحسب بل اقتلعها من جذورها وبدا خلف هذا الوجه الباسم وجه آخر قبيح صهيوني الهوى والتوجه

.

في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بوزارة الخارجية الأمريكية للاحتفال بتعيين جورج ميتشل مبعوثًا للشرق الأوسط وآخرين في الإدارة الأمريكية الجديدة، كشف الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما عن وجه الحقيقي مبكرًا وبسرعةٍ لم يتوقعها البعض بل لعلي أضيف وبحماقة تدفع إلى الدهشة، لقد تحدَّث الرئيس الأمريكي كأنه المتحدث باسم الجيش الصهيوني أو الحكومة الصهيونية فقال كل ما يجب ألاَّ يقال

!!.

قال أوباما: "إن أمريكا ملتزمة بالدفاع عن أمن "إسرائيل" بشكلٍ مطلقٍ وتوفير كافة السبل اللازمة لذلك!"، وتناسى سيادته أن هناك شعبًا آخر هو الضحية والمفترض أن يلتزم كطرفٍ (محايد!) بالحفاظِ على أمن الشعب الفلسطيني كذلك، كمسئولية أخلاقية تقتضيها أبسط شروط العدالة والإنسانية التي صدَّع العالم بها في حملته الانتخابية.

تحدَّث أوباما عن وجوب اعتراف حماس بدولة "إسرائيل" كشرطٍ أساسي (للتفاوض!) معها وليس لنيل حقوقها!، فقط من أجل (التفاوض) وإعطاء الكيان المشروعية، وتناسى سيادته أن الكيان الصهيوني هو الآخر لم يعترف ولن يعترف بدولةٍ للشعب الفلسطيني، دولة بكل ما تعنيه معنى الكلمة من سيادةٍ واستقلال، وبالتالي أصبحنا أمام مفارقة مدهشة عندما يطالب أوباما الشعب الذي احتلت أرضه بالاعتراف بدولة الاحتلال ولا يُطالب دولة الاحتلال بالاعتراف بالدولة المحتلّة! هذه هي العدالة الأوبامية

!!.

تحدَّث أوباما عن وجوب وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية وعبَّر عن ضيقه من آلاف الصواريخ على المدن الصهيونية و(تفهم) موقف "إسرائيل" كدولة (ديمقراطية) في الدفاع عن نفسها، كما اعتبر المقاومة إرهابًا يجب محاربته، في حين لم يذكر سيادته- ولو تلميحًا- لماذا تنطلق الصواريخ على المدن الصهيونية؟ وهنا على ما يبدو يحتاج أوباما (بيه) أن نعرِّفه بأبجديات السياسة والقانون الدولي الذي اخترعته بلاده وحلفائها وليس نحن

:

الدرس الأول: يقول القانون أيها الأوباما أنه عندما يكون هناك شعب يقع تحت وطأة الاحتلال فمن حقه أن يقاوم المحتل بكافة الصور والأشكال بما فيها النضال المسلّح

.

الدرس الثاني: أنه حتى الأمم المتحدة التابعة لدولتك شكلاً وموضوعًا ما زالت تعتبر الكيان الغاصب دولة احتلال؛ لذلك أيها السيد أوباما هذه الصواريخ مقاومة مشروعة وواجبة وتقتضي من كل إنسانٍ حرٍّ أن يدعمها ويساندها.

الدرس الثالث: كيف أيها الرئيس الأمريكي تقبل على نفسك أن (تتفهم) موقف "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها ضد إطلاق الصواريخ الفلسطينية، التي يعرف حتى أكثر البشر سذاجةً أنها لإحداث الرعب وليست للتدمير نظرًا لبساطتها ولا تتفهم دفاع المقاومة الفلسطينية عن شعبها ضد الصواريخ الصهيونية هائلة التدمير والمحرمة دوليًّا، والتي قتلت أكثر من 1400 شهيد في ثلاثة أسابيع وأكثر من خمسة آلاف جريح ومحو أحياء بأكملها من على الأرض وحصار وحشي يحرم الإنسان من أبسط حقوقه الآدمية من طعامٍ وشرابٍ ودواء، كل هذا لم تتفهمه ولم تستوعبه؟

.

سنفترض في أنفسنا نحن جميعًا الغباء، علمنا أنت أيها العبقري الفذ ما الذي أفعله عندما أجد دبابة تسوّي بيتي بالأرض؟ أو صاروخ يفتت أبنائي أمامي أو شجرة زيتون تُقتلع من أرضي أو أرى مسجدي المقدس لديّ يُقصف بالصواريخ أو أجد زوجتي أو أمي وأبي بلا دواء أو حتى شربة ماء، علمنا ماذا نفعل يا رمزَ الحرية والعدالة الأمريكية

!!.

تحدَّث أوباما عن أنه سوف يتعامل مع السلطة الفلسطينية ويتفاوض معها لإقرار حلِّ الدولتين بشرط منع تهريب السلاح ووقف (الإرهاب)!!، ألم تعلم يا سيد أوباما أن أبو مازن منتهي الصلاحية؟! وأنه لم يعد رئيسًا للشعب الفلسطيني منذ التاسع من يناير الماضي، كيف تتعامل أيها الرئيس المنتخب (ديمقراطيًّا) مع رئيسٍ انتهت ولايته، هل تقبل أنت أن يتعامل العالم مع جورج بوش المنتهية ولايته على أنه الرئيس الفعلي لأمريكا؟!، في حين ترفض الحوار مع حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيًّا باعترافكم أنتم!! هل هذه هي الديمقراطية الموعودة إن كانت هي فإنَّا نشهدك أنَّا كفرنا بها، وسوف ترجع بخفيِّ حنين تجر أذيال الخيبة كسابقك حتى تُعطي الحقَّ لأهله

.

أعلم جيدًا أيها الرئيس الأمريكي أنك تتطمح في ولاية ثانية منذ الآن وحتى لو حصلت على ولاية ثانية بنفوذ اللوبي الصهيوني لن يتوقف طموحك، وسيكون طموحك التالي هو تقاعد مريح يوفره لك اللوبي الصهيوني بتعيينك مستشارًا ومحاضرًا سياسيًّا في العديد من المراكز البحثية والجامعية تجني من وراءها ملايين الدولارات، لكنك في المقابل لن تجني سوى الخسران والاحتقار من شعوبِ العالم أجمع لسياستك هذه؛ لأنك سوَّقت نفسك على أنك حامي حِمَى الحرية والعدالة ورسول الرحمة للإنسانية، لقد كشفت نفسك مبكرًا، وهذا أفضل ما فعلته، افعل ما شئتَ فسوف تذهب كما ذهبَ غيرك، وستبقى فقط المقاومة الحرة الشريفة هي التي تخط طريق النصر بيدها الفتية التي يُباركها الله ويرعاها.

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online