السبت، ١٧ يناير ٢٠٠٩

سعيد صيام جنرال برتبة شهيد

سعيد صيام جنرال برتبة شهيد

بقلم / د . ممدوح المنير

نشر فى المركز الفلسطينى للإعلام ، نافذة مصر

لا أعرف لماذا دائماَ تشدني إليه عينيه ؟ تأملهما قليلاَ ، سترى فيهما صفاءً عجيباَ ، ينفذ إلى أعماقك ، يسرى في جسدك فيض من شحنات الإيمان و سخات الكرامة و نفحات العزة و الإباء، دقق النظر أكثر ، أنظر إلى زوايا عينيه ، ترى فيها حمرة خفيفة ، يا تُرى من أين جاءت هذه الحمرة ؟ أمن سهر الليالي جهاداَ و نضالاَ ؟! ، أم أنها من بكاء الأسحار في رحاب الله ؟ ، أم أنها زخّات شوق و لهفة على فقد الأحبة ياسين و صحبه ؟ وسع مجال الرؤية قليلاَ ، تطلع بعينيك إلى لحيته البيضاء و شعر رأسه الأبيض ، لا تظن أن هذه الشعرات البيضاء هي كغيرها ابيضت بفعل عوامل الزمن ، لا و ألف لا ، إنها شعرات مقاومة !! تنمو فقط في قلب المحن و تزدهر بدماء الشهداء و تورق بسبحات الليل و تعيش بثقافة الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ، أتعلم أين ذهبت هذه الشعرات الآن ؟ إنها الآن تختلط بدمائه الطاهرة ، تحتضنها أرض غزة المباركة ، تزرعها بذوراً للكرامة و تُنبت بها ألف سعيد ، إنها أرض مباركة بذرة الشهيد فيها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .

لم يمكن خبر استشهاده مفاجئاَ ، كيف بالله عليك يكون الرجل اسمه ( سعيد ) و ( صيام ) و لا يكون له حظ من اسمه ؟ إنه الآن بإذن الله ( سعيد ) في روضات الجنات ، ( يُفطر ) مع أحبته الذين كان يذرف الدمع شوقاَ إليهم.

أكثر ما يميز هذه الشخصية الفذة هو هدوؤها المدهش ، يعمل في صمت و كأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، كنت أتعجب كيف لشخص يتحلى بهذا الوقار و الهدوء يملك هذه اليد الفولاذية التي ضبطت الأوضاع في قطاع غزة و أعاد إليها الاستقرار ، تولى وزارة الداخلية في الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس ، دخل في صراعات لا تنتهي مع قيادات الداخلية الفتحاوية التي لم تتعود نظافة اليد و استقامة السيرة و المسيرة ، كان صعباً عليها أن تعيش في بيئة نظيفة يشرف عليها رجل مثله ، تناقضت معه و تحدّت سلطته و لكن الرجل العظيم لا تتصدر له إلا الأحداث العظيمة ، لم يضيع وقتاً أنشأ مع إخوانه القوة التنفيذية لتعيد الأمور إلى نصابها و لتضبط إيقاع الحركة في القطاع و طبعاً كان ذلك خبراً صاعقاً لخفافيش الظلام و شياطين الإنس و لكن الرجل لم يكن فقط على قدر الحدث بل أكبر منه أيضاً ، تعامل مع الموقف بحكمة و حنكة و قاد السفينة وسط الأمواج الهائلة المضطربة ، حتى حانت لحظة الحسم و سيطرة حماس على قطاع غزة لتقلب السحر على الساحر الذي أراد أن يباغتها و ينهى وجودها و من خلفها مشروع المقاومة وكان هو بالطبع قائد أوركسترا الحسم في القطاع واستطاعت القوة التنفيذية التي يرأسها مع كتائب القسام إنهاء الأوضاع الفائرة في القطاع.

حين تتطلع إلى سيرة الجنرال المعلم تجدها تتطابق مع مسيرة شعب و نضال أمة ، عنوانها معاناة ونضال و تفاصيلها تشريد و حصار و لجوء و اعتقال، حيث ولد بمعسكر الشاطئ بغزة، بتاريخ 22-7- 1959، بلدته الأصلية ( قرية الجورة – عسقلان) ، أب لستة من الأبناء ( ولدان وأربع بنات ) ، استشهد أحد أبنائه معه.

كان رحمه الله معلماً من طراز فريد ، وأنا هنا لا أعني مُعلماً كأنموذج فذ وحسب و لكن أيضاً معلماً في قاعات الدراسة يربي أجيالا من تلامذته بحكمة الشيوخ و مهارة الربان و صلابة المقاوم و رحمة الأب و أستاذية المعلم

تخرج رحمة الله عليه سنة 1980 من دار المعلمين برام الله ،، ليعمل بعد ذلك مدرساً في مدارس وكالة الغوث الدولية بغزة من العام 1980 حتى نهاية العام 2003، ثم ترك العمل بسبب ضيق الوكالة بانتمائه لحركة حماس.

حصل كذلك على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة وتخرج منها سنة 2000، وحصل على بكالوريوس التربية الإسلامية.

تقلد الشهيد العديد من المواقع القيادية حيث كان: * عضو اتحاد الطلاب بدار المعلمين برام الله في العم 1980. * عضو اتحاد الموظفين العرب بوكالة الغوث أكثر من دورة ، كما ترأس لجنة قطاع المعلمين لمدة 7 سنوات متتالية. * عضو الهيئة التأسيسية لمركز أبحاث المستقبل . * عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية – بغزة. * ممثل حركة "حماس" في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية.
*عضو القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقطاع غزة. * مسئول دائرة العلاقات الخارجية في الحركة. * اعتقل 4 مرات ( 1989-1990-1991-1992( * أبعد إلى مرج الزهور بجنوب لبنان لمدة عام. * اعتقل لدى جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطيني في العام 1995 على خلفية انتمائه السياسي

*انتخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عن قائمة حركة حماس في دائرة غزة حيث حصل على أعلى أصوات الناخبين على مستوى الأراضي الفلسطينية و تولى رئاسة كتلة حماس بالمجلس.

* اختير لشغل منصب وزير الداخلية في الحكومة التي ترأستها حماس ثم تداعت الأحداث كما أسلفنا سابقاً .

تبقى كلمة في النهاية كتبها الشهيد الجنرال المعلّم بدمه ، مفادها أن الأمم تعيش فقط بالقدر الذي تُقبل فيه على الموت ! ، ليس حباً في الموت ذاته و لكنه الخطبة البليغة التي تنير الطريق و تمهد السبل لكل إنسان يسعى لحريته و أمنه و كرامته ، هذا هو الدرس الأخير الذي كتبه المعلّم في دفاتر تلامذته الذين يشيّدون الآن قواعد المجد من بين أنقاض الدمار ، رفعت الأقلام و جفت الصحف و لم تجف دماء الشهيد و لن تجف.

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online