الخميس، ٤ ديسمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة (5)

عربة الترحيلات و الطريق إلى المجهول


هى عربة ليست كباقى العربات فعادة عندما يستقل أحدنا سيارة يعرف جيدا أين يتجه و طبيعيا أن يكون بإختياره !

هنا نحن نتحدث عن واقع مختلف فسيارة الترحيلات و جدت لأمور كثيرة كما أعتقد :

أولاها إشعارك أنك تسير دائما إلى المجهول فأنت تتحرك إلى جهة لا تعلم موقعها حيث لا يخبرك أحد فى الغالب ، كما توضع عصابة على عينيك تخفى معالم الطريق و فى بعض الأحيان التى يسمح فيها بنزع العصابة تظل تنظر من شباكها الصغير إلى العالم من حولك الذى تتركه ورائك تحاول إلتماس السبيل واستكشاف المجهول الذى يفصلك عنه ساعات معدودة .

كان النظر من شباك العربة لحظة فى غاية الألم ، لأنك تنظر إلى البشر و الأماكن نظرة مختلفة نظرة شوق و حسرة على فراق هذا العالم إلى عالم ما وراء الأسوار ، يالله حين أنظر إلى البشر وهم يمارسون طقوس الحياة يومية فهذا مطعم الآن أمر أمامه تكاد تصلنى رائحة الطعام منه و هؤلاء أطفال يلعبون فى الشارع و هذا أحد الأسواق التى يعج بها البشر تفاصيل تفقد من واقع المرأ و حياة تسلب لحظة وراء لحظة ، هذه وسيلة المواصلات المكدسة التى تعبر من أمامى الآن و أشعر بضيق الناس فيها ، كم أتمنى أن أكون مكانهم !! فى ضيق و لكن تحت سماء الحرية .

حين يكون الإتجاه إلى المجهول يبدأ الإنسان تلقائيا فى البحث عن القادم البعيد فيبدأ فى سؤال من معه من الحرس و عادة ما يكونا شاويش و مخبر و يبدأ التهرب من السؤال بإجابة كاذبة : لا نعلم !! ، فتظل تحاور و تناور حتى تعلم تلميحا أو تصريحا أين تتجه و قد تمضى الرحلة ألى نهايتها و تفاجئ فى النهاية بمحطة الوصول .

ثانى الأمور التى من أجلها وجدت هذه العربات هو تكدير البشر أذكر فى أول رحلة لى على متنها ، أنى قضيت فى هذا الصندوق الحديدى المتحرك من التاسعة صباحا حتى الحادية عشر ليلا فى تحرك مستمر سقطت فيها أكثر من مرة فى أرض السيارة وانقلبت معدتى و أفرغت محتوياتها إحتجاجا على سوء السائق الذى كان يتعمد أن يسير فوق أسوء الطرق و يقفز بالسيارة فوق أعلى المطبات حتى إنفكت كافة مفاصيلى إنفكاكا و مادت الأرض من تحتى فنمت فى أرض السيارة و أنا ارى مصمصة الشفاة ممن معى من الحرس حزن على حالى و كثيرا ما يثار تساؤلات من جانبهم عن طبيعة تهمتى و الظروف التى أوصلتنى إلى ما أنا فيه ليزداد أسفهم الذى لا يغير من واقع الأمر شيئا اللهم إلا كسب تعاطفهم و زيادة نقمتهم على من فعل بىَ هذا .

و لا أحدثك عن الساعات التى تقف فيها السيارة فيتوقف معها تيار الهواء المتولد عن حركتها و يكون وقوفها تحت أشعة الشمس الحارقة لعدة ساعات فتبدأ عملية سلقك على نار هادئة ، أذكر أن من معى من الحرس و هم محبوسون مثلى ضاقت بهم الأرض من شدة الحر فخلعوا ملابسهم الميرى و بدأوا فى الصراخ و العويل و الطرق على الجدران مطالبين بالنجدة من شدة الحر و أنا جالس أتعجب من تصاريف البشر و إختيارتهم فى الحياة ما الذى يجبر هذا الرجل على العمل فى هذه الوظيفة ؟!! التى تعسر الحياة و لا تيسرها فى مقابل ملاليم لا تغنى و لا تسمن من جوع ، المهم إنتهت هذه الرحلة المقيتة بعودتى من حيث أتيت و لكنى خرجت منها محمولا على الأعناق من شدة الإعياء !! بعد أن دخلتها على قدمى ّ .

ثالث هذه الأمور التى وجدت من أجلها هذه السيارة ، هى إشعارك بأنك مهم جدا للنظام !! و كنت أضحك كثيرا مما أرى وأشاهد من جحافل القوات الخاصة التى تصاحب السيارة و تسير خلفها !! كنت أقول لبعض الضباط الذين يصطحبونى فى هذه الرحلة أنى لم أكن أعلم أنى بهذه الأهمية ، بل كنت أقسم لهم بأنى لو وقع على ّ عقوبة ما ووصف لى الطريق إلى السجن فسوف أذهب إليه لأسلم نفسى ليس شجاعة و لكن من المجنون الذى يهرب من تطبيق حكم عليه فى مصر و يعيش بين أهله فى جحيم و يطارد فى كل كمين ، اللهم عليك بهم أجمعين قل آمين .


2 Comments:

غير معرف said...

عربة الترحيلات-حوار متبادل بين الظلم والاهات-
ربنايثبت حضرتك ان شاء الله ويجعله فى ميزان حسناتك

غير معرف said...

آمين

blogger templates | Make Money Online