السبت، ٦ ديسمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة ( 6 )


قوطة و دماغه العالية !!


أول مرة رأيته فيها كان يقف أمامى و الدماء تغطى معظم جسده و يقف فى قبالته ثلاثة من رجال الأمن يحاولون التفاهم معه و نزع الموس الحاد الشفرة الذى يهددهم به فى حالة إقترابهم منه و إذا سألتنى لماذا هو مضجر بدمائه ؟ ، أقول لك لأنه يقوم بجرح نفسه عدة جروح ثم يتهم السجان بإرتكابها ثم يطلب العرض على النيابة للتحقيق كل هذا ليهرب من عقوبة الحبس فى هذا المكان لمدة ثلاثة أيام لأن الوضع فيها مأساوى ( الزنزانة الحمام التى ذكرتها سابقا ) و هو المكان – العنبر - الذى حبست فيه نحو ثلاثة أشهر !! و لأنه كذلك يعتقد أنه لم يرتكب مخالفة تستدعى حبسه هنا على سبيل التأديب .

أدركت فورا أنّى مقبل على أيام عصيبة و أن أوّل القصيدة كفر كما يقول المثل فمشكلتى مع كل من يدخل فى هذا المكان أمران :

أولاً أنه يدخل و هو فى أسوء حالاته ، ثانياً أنّ الكل يعتقد أنّه مظلوم و من هنا تبدأ مشاكلى ، ما أ ن يدخل قوطة – بعد أن أقنعوه بالدخول - و من على شاكلته إلا و يبدأ فى الصراخ و القرع على باب الزنزانة و الإضراب عن الطعام محدثا ضجيجا هائلا و إزعاجا بلا حدود حتى هجرنى النوم طيلة شهر و نصف و خاصة أن نوعية قوطة تفر من الواقع الكئيب الذى يحياه فى السجن إلى عالم الأحلام و لكن عن طريق المخدر الذى يتعاطاه و المشكلة فى هذا المكان أن المخدر لا يصل إليه إلا تهريبا !! و عندما تنتهى مفعول الجرعة التى أخذها و لا يجد جرعة جديدة يبدأ فى فقد إتزانه و يبدأ فى الصراخ و كأنه أصابه مس من الجنون و يظل يقرع الأبواب قرع طبول الحرب ، لا يتعب و لايمل من القرع على الباب يفرغ فيه - الباب - كل ضيقه و غضبه و سخطه و لا يدرى أو يدرى أنه يفرغه حقيقة فى أُذنى أنا لا فى أُذن السجّان ، الذى لايستجيب لصرخاته و لا آهاته لأن السجّان تعود عليها فلم تعد تحرك فيه ساكنا ، مشكلتى أن الأمر لم يكن يقتصر على قوطة وحده فربما تعب أو يأس و لكن هناك أيضا أقرانه من ( زاوية ، عقب ، جلابية ، الصغيِر !! ) نفس الضجيج و ربما حاول بعضهم الإنتحار أو جرح نفسه كل هذا على مدار اليوم و الليلة و كأنهم فى وردية لإزعاجى و رفع ضغط دمى رغم أن لست مريضا بالضغط !.

كنت أشاهدهم و أتأمل و أتعجب من نوعيات البشر التى أراها أمامى ، لا يعرفون من الحياة إلا أسوءها ( المخدر ، البلطجة ، الجهل ، القسوة ) هم نتاج مجتمع و دولة تحلل من حاضره و ماضيه و مستقبله ، لا ترى هذه الشخصيات إلا فى صفحة الحوادث عادة أو فى العشوائيات أو هم يسرقون حافظة نقودك !! لا أنكر أنى قابلت بعضا منهم لا يزال فيه بقايا من الإنسانية فلا يوجد إنسان شر مطلق أو خير مطلق .

يا زميل !! هكذا كانوا ينادون على َ و يطلبون منى أن أساعدهم فى إدخال المخدر أو السيجارة إليهم و يعتبرون هذه المساعدة من الرجولة و ( المجدعة ) و لأنى بالطبع أرفض فيتحول الغضب و السخط من السجّان إلىَ أنا !! و هنا يبدأ الجحيم بعينه ضجيج متعمد لإطارة النوم من عينى ، شتائم لما أسمع بها إلا فى جلسات التحقيق ، كل هذا طيلة اليوم طلبت من الأهل أن يشتروا لى سدادة للأذن و لم تفلح ، طلبت حبوب منومة حتى أنام و لو ساعة و لم تفلح كذلك ، أضربت عن الطعام مرتين و لم يفلح الإضراب كذلك ، طلبت العرض على النيابة ، هددت بتصعيد الأمر حقوقيا و إعلاميا و لم أقابل إلا بضحكات ساخرة أخيرا جاء التدخل من الله ، الذى عودنى كل جميل و الذى كان يغمرنى بفيوضاته و رحماته و كان دائما يتدخل حين أفقد القدرة على المقاومة و أبدأ فى الإنهيار و تنقطع بى أسباب الأرض إنقطاعا من القلب و العقل و الوجدان و لهذا قصة أخرى بإذن الله .

3 Comments:

غير معرف said...

بسم الله

حمدا لله على سلامتك وانتقم الله ممن ظلموك

كل عام وانت بخير

تحياتي

غير معرف said...

يا عم الدكتور انا كل يوم ادخل على النت مخصوص عشان اشوف انت كاتب ايه واندمج مع الحكاية وتروح قاطع مره واحده فى حته جميله ونفسى تكملها يا باشا كنت عاوز اعرف ايه الخير اللى جالك من الله شوقتنا الله يصلح حالنا وحالك
وعموما انت حبيبى والله رغم انى ما عرفتك غير عن طريق المدونه بتاعتك ديه بس
ربنا يثبتنا على الحق ويجعلنارجاله زيك

غير معرف said...

صدقا وكأننى أقرا مذاكرات من السجن الحربى
انا قرات كل التأملات

وكان لازم أعلق

ومش عارفه اقول

غير حسبى الله ونعم الوكيل فى الظالمين

التهمه بتاعت حضرتك

انك من الاحرار

وهذه اصبحت جريمه

فى عالم انتشر فيه كل معانى الاستبداد والظلم

blogger templates | Make Money Online