السبت، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨

خواطر ( 1- 100 )





عمالة بلا حدود !!

بقلم / د. ممدوح المنير

كنت أشاهد حلقة بلا حدود على قناة الجزيرة و التى أجراها أحمد منصور مع محمد نزال عضو المكتب السياسى لحركة حماس و التى كشف فيها النذر اليسير من الوثائق الفاضحة لأجهزة الأمن الفلسطينية و تعاملاتها المريبة مع أجهزة الإستخبارات الأجنبية و القيام بدور فاعل و قوى فى توفير معلومات إستخباراتية - سواء كانت هذه المعلومات حقيقية أو مزيفة – عن عدد كبير من الدول العربية و الإسلامية و الجاليات و الحركات الإسلامية حول العالم و للأسف الشديد كانت هذه المعلومات أحد الأسباب الرئيسية فى تعرض عدد من الدول و الأفراد للإعتداء سواء بالإحتلال أو القصف للأولى أو الإغتيال للثانى ، فضلا عن التعاون الوثيق بين هذه الأجهزة و الإحتلال الإسرائيلى فى تصفية المقاومة و بناها التحتية ، كذلك الصراعات الخفية و العلنية بين هذه الأجهزة و إستخدامها أحقر الوسائل مثل الإبتزاز الجنسى لتحقيق مآربها .
و التساؤل الذى يطرح نفسه هنا إذا كان هذا هو حال الأجهزة الأمنية التى يفترض أنها تقوم بدور وطنى و أن رجالها يعدوا من أبطال الوطن و قتلاها من الشهداء !! كما أعتدنا على هذه الألفاظ الإعلامية ، فما حال الآخرين الذين لا يعدوا من هذه الأجهزة ؟ ! و الذين يتم إبتزازهم يوميا بكافة أنواع الضغوط و إذا كانت هذه التصرفات ليست هى العمالة و الخيانة بعينها فما معنى هذه الكلمات إذن ؟ .
أمر آخر من المعروف أن أجهزة الأمن الفلسطينية بكافة تشكيلاتها تم تدريبها على أداء عملها فى دول عربية مجاورة ، فهل يعنى ذلك أن أسلوب عملها الذى تم الكشف عنه على شاشة الجزيرة هو المعتمد لدى الدول العربية التى دربتهم ؟!! ، و هل معنى ذلك أن أجهزة الأمن الفلسطينية ما هى إلا تلميذ صغير لأساتذة كبار ؟ .
أدرك جيداَ أن هناك الكثير من المخلصين و الوطنيين فى هذه الأجهزة الأمنية و لكن أليس السكوت عن هذه الجرائم طيلة الفترة الماضية نوع من الإقرار بها .
أمر آخر أحب أن أسجله هنا ، من حقنا أن نطالب حركة حماس بتوقيف من تستطيع من هؤلاء و تقديمه لمحاكمة عادلة عما جنته يداه ليكون عبرة لمن يأتى خلفه ، و فى نفس الوقت نعطى الحق للجميع فى الدفاع عن نفسه و نفى تهم التى توجه إليه .
لا أدرى لماذا أعتقد أن أمثال هذه المحاكمات ستكون فضيحة الموسم و ستتساقط أوراق التوت الواحدة تلو الأخرى عن هذه الأجهزة و ربما كشفت لنا الأيام أن تساقط أوراق التوت ليس فلسطينياَ فحسب و لكن عربياَ أيضا ! .

الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠٠٨

ماذا اكتب ؟


ماذا اكتب ؟


تساءل أطرحه على زوار المدونة الذين اعتز بهم أيما اعتزاز.

نعم ماذا أكتب ؟ ، قلت لنفسي واجب الوقت الآن أن اكتب عن حصار غزة و فعلا بدأت في الكتابة ثم وجدتني لا أجد جديداَ أكتبه !! ، ألق نظرة سريعة على أرشيف المقالات التي كتبتها منذ ما يقرب من عام عن غزة و العراق و الظلم و الاستبداد الذي نحياه و سوف تجد أن ما كتب العام الماضي يصلح للعام الحالي !! ، يكفى فقط أن أغيّر عنوان المقال القديم وأعيد نشره و سوف تشعر و أنت تقرأ أنه كتب فقط منذ دقائق و ليس شهور !!

نفس الوقائع، نفس الشخوص، نفس النتائج ، شعور بالغ بالأسى أعيشه الآن ، تدور في داخلي تساؤلات عن جدوى الكتابة و هل تغير من واقع الأمر شيئا ؟ ، ثم أعود و أقول لنفسي نعم الكتابة حاليا قد لا تغير و لكنها تزعج و تقلق و تنبه الظالمين و الغافلين معا و هذا هو أول مراحل التغيير - الإزعاج - إن صح التعبير !!.


فما رأيكم دام فضلكم ؟

الأربعاء، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٨

صحافة من ذكريات الإعتقال

حوار صحفى تم إجراءه مع موقع ( إخوان أون لين ) بتاريخ 16 نوفمبر الرابط

الأحد، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة ( 9 )


النهاية


قبل موعد الإفراج الأخير حدث تلميح بعدم خروجى و بإعادة إعتقالى وأصارحكم بأنى شعرت بضيق شديد ، فبينما أستعد للحصول على الإفراج السادس أشعر بأنى لن أنال حريتىمن جديد و دخلت الزنزانة و آسف الحال أشكو لله ظلم العباد و أخذت أذكر الله متخذاَ من قوله تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) نبراساَ لى حتى هدأت نفسى وأطمئن قلبى و جاء يوم الجلسة و أكرمنى الله بالإفراج السادس و حسب القانون لا بد أن ينفذ السجن الحكم و يتم الإفراج عنىّ فى اليوم الثانى مباشرة و تأتى عربة الترحيلات لتنقلنى محافظتى ثم هناك يقضى الله أمرا كان مفعولا إما يطلقوا سراحى أو يعاد إعتقالى من جديد و بالفعل جاء اليوم التالى للإفراج و حزمت حقائبى واخذت أنتظر سيارة الترحيلات الساعة تلو الأخرى و أتحدث مع إدارة السجن فيقال لى لم يأتنا ما يفيد بحصولك على الإفراج فأسأل كيف ذلك ؟ فلا أجد جوابا و أخذت الساعات تمضى بى بلا نهاية حتى جاءت الساعة الرابعة عصراَ و أغلق السجن و معنى أغلق السجن أن دخل كل سجين إلى محبسه و أغلقت الأبواب و شمعت مفاتيحها بالشمع الأحمر و ذهب الموظفون إلى بيوتهم حتى مأمور السجن كذلك و لن تفتح الأبواب إلا فى اليوم الثانى و ساءت بى الظنون و ظللت أقول لنفسى حتى تنفيذ الحكم ولو صوريا لم ينفذوه و لكنى فى هذه اللحظة جاءنى طائف من الرحمن يذكرنى فانتبهت و أفقت مما أنا فيها و أخذت أدعوا الله دعاء المضطر المظلوم الذى أنقطعت به الأسباب إلا منه و أفوض أمرى إليه و أسلم نفسى بين يديه و بينما أنا على هذه الحالة إذ الباب يفتح !! و أجد أمامى من يقول لى هيا بنا فقلت إلى أين ؟ فقال لى هناك من يريد ان يراك و ذهبت معه فإذا بى أمام مفاجأة أخبرت بها فإندهشت و أرتبت أكثر فلمّا تساءلت فإذا بهم يخبرونى بأن والدى فى الطريق إلى السجن ليصطحبنى بنفسه من هنا إلى المنزل !!!.

و بالفعل جاء الوالد واحسنوا إستقباله و أنا أشعر كأنى فى حلم و لا أصدق ما يحدث و بالفعل اصطحبنى والدى و أنا أضرب كفاَ بكف و نلت حريتى وتناولت إفطارى فى بيتى و على مائدتى و بين أهلى وأخذت أقول لنفسى حقاََ متى فتح باب السماء ، تهاوت له كل أبواب الأرض فمن وجد الله و جد كل شئ و من فقده فقد كل شئ فسبحانه بين طرفة عين وأنتباهتها يغير الله من حال إلى حال .

تأملات التجربة (8 )

الزيارة

فى حياة المعتقل تصبح زيارة الأهل و الأحباب أهم حدث فى حياته ينتظره بفارغ الصبر و على أحّر من الجمر ، كان المرأ يعد أيام حبسته بعدد الزيارات !! .
فى حياة السجون هناك قانون أو عرف غير مكتوب بين كافة المعتقلين السياسيين أو حتى الجنائيين مفاده أن المعتقل يظهر فى أثناء الزيارة فى أحسن هيئة و أجمل صورة أمام زواره ، لأننا جميعا ندرك المشقة الكبيرة التى يعانيها الأهل قبل الزيارة و أثناء الزيارة و بعد الزيارة لذا كان حتميا أن تكون هيئتنا طيبة حتى نبعث فى قلوبهم الطمئنينة .
روتين مملل و منهك كل أسبوع و على مدار سبعة أشهر فى رحلة اسبوعية تستغرق متوسط ثلاث ساعات ذهاب ومثلها فى العودة و هذا غير وقت الإنتظار أثناء الدخول إلى السجن من ساعة إلى ساعتين فى المتوسط ثم التفتيش الذاتى للزوار و ما يحملونه ثم
وقت الزيارة نفسه بمتوسط ساعتين على حسب لائحة كل سجن .
فى الزيارة يحاول كل منا أن يبدو قويا أمام الاخر و لكن لغة العيون دائما ما كنت تفضح ما يحاول والدىّ إخفاءه من تعب و إرهاق .
فى أغلب الزيارات كانت والدتى عندما أراها لا أتمالك نفسى فقسمات و جهها ، خطواتها المتثاقلة من تعب الطريق ، نظراتها المرهقة من أشعة الشمس الحارقة كل هذا كان يترك فى نفسى أثرا أحاول أن أخفيه لحظة سلامى عليها و لكن هيهات هيهات ، عندما أسلم عليها و أرتمى فى حضنها الدافىء - كأنى طفل يبحث عن الأمان المفقود بين زراعىّ والدته - كنت فى هذه اللحظه أشعر براحة كبيرة بين أحضانها ، أذكر مرة بينما أسلّم على والدى و أحتضنه طال العناق بيننا حاولت أن أنزع نفسى من بين يديه و لكنه أبىِ فاستسلمت له و دار بيننا حوار بلا كلمات أو نظرات كانت كل ضمة يضمنى بها إليه تعبر عن حنان و حب و رحمة كنت فى أمس الحاجة إليها .
قبل الزيارة يكون أغلب الحوار بين المعتقلين عن الأخبار المتوقع و صولها من الأهل أو عن لائحة الطلبات المراد إخبارهم بها لإحضارها فى الزيارة القادمة أو الإطمئنان على العمل و يظل يدور بيننا الحوار و الإستعداد للزيارة الميمونة لساعات من غسل الملابس البيضاء و كيّها و تهذيب الشعر وو ضع العطر وكأن الواحد منّا فى ليلة عرسه غير أنه هنا يرتدى الأبيض لا الأسود !!.
من المشاهد التى كنت أراها و وتحزّ فى نفسى كثيرا ، مشهد الطفل الذى لا يعى من أمور الحياة شيئاَ و هو يتعلق بيد والده لا يريد أن يتركه وترى فى عينيه نظرات زائغة مستفهمة حائرة لماذا لا يعود معى والدى ؟؟ لماذا لم يعد يشترى لى اللعب و الهدايا أو يذاكر معى ؟ هل أغضبته فى شئ ؟ ، كانت مشاهد تمزق نياط القلب و يصل المشهد إلى قمته حين يبكى الطفل لفراق والده و تظل الأم حائرة بين طفلها الباكى وزوجها المتماسك رغم أنفه ، حتى تصبح لحظة الفراق واقعا محتوما و أجلا مكتوبا ، كنت أحمد الله حينها أنى لم أتزوج بعد ، حتى لا أعيش هذا الموقف مرتين مرة مع والدىّ ومرة مع أبنائى ، وتبقى زكريات الزيارة و أحاديثها و شخوصها محوراََ و مادة دسمة للحديث فى الزنزانة .
حين إنتقلت إلى السجن الآخر و كنت السياسى الوحيد به كانت الزيارة تتم فى حجرة أحد الضباط و فى وجوده !! يجلس هو خلف مكتبه بينما نحن جلوس أمامه و كأننا فى زيارة للضابط و ليس لى !! و غالبا ما يكون الضابط طرفا فى الحديث ! فلا خصوصية فى الحوار ، فأصبحت زيارتى ساكتة نتحاور بلغة العيون أو بالهمسات .

السبت، ١٣ ديسمبر ٢٠٠٨

إعتذار

لا أراكم الله مكروها فى كمبيوترِ لديكم !!

اعتذر لزوار المدونة إعتذارا بالغا عن تأخرى فى إستكمال التأملات نظرا لإصابة جهاز الكمبيوتر الخاص بى بسكتة دماغية أصابته بشلل كلى استدعى دخوله إلى العناية المركزة و نسألكم له الدعاء بالشفاء العاجل حتى يتسنى لى إستكمال الحلقات فى أقرب وقت و لا أراكم الله مكروها فى كمبيوترِ لديكم !

الثلاثاء، ٩ ديسمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة (7)


إذا كان الله معك فمن عليك ؟


إنتهينا فى الفقرة السابقة قوطة و دماغة العالية - عند محنة الضجيج الهائل الذى عشت فيه فى عنبر التأديب و الذى أرق مضجعى و نغص علىّ حياتى فكان بلاءاً فوق البلاء ، أوشكت فيه مقاومتى على الإنهيار و استنفذت كافة سبل الإحتجاج كما نوهت من قبل ، فأُغلقت دونىَِ الأبواب و بلغت الروحُ الحلقوم ، حتى جاءنى الفرج من حيث لا لا أنتظر !.

أحب أن أشير بداهةً أن ما حدث معى لم يكن لأهليّتى لذلك فأنا أعلم الناس بضعفى و تقصيرى و لكن الأمر كما يقول علماء القلوب أن هناك صنفين من البشر يستجيب الله لهما و يحيطهما برعايته بغض النظر عن تقصيرهما فى حقه ، ألا وهما : المضطر يتدخل المولى برحمته التى وسعت كل شىء ليفرج كربه و الآخر هو المظلوم و الذى أقسم الله بنفسه أن ينصره بعدله و لو بعد حين ، لذا أرجوا أن يفهم كلامى من خلال هذا السياق و اللهُ مطلعُ على السرائر .

حين كنت أعانى ما أعانيه إستبدت بىَ الظنون و دخلت علىّ هواجس الخوف و الرعب و اليأس و أحسست أنى مقدم على مرحلة صعبة هذه أولُ بوادرها ، حتى فُتح علىّ الباب و أنا على هذه الحالة و أدخلَ السجّان فى الزنزانة المجاورة لى وافداً جديداً و أمسكت قلبى بيدىّ و أخذت أتسائل من أى نوعٍ هو ؟ من أمثال قوطة و أقرانه أم هادىء النفس ؟ و ظللت متوجسا غاية التوجس ، أنتظر ما سيحدث ، تمر الساعات على ّ بطيئة متثاقلة كنت أنتظر فى تلهف أن أرى أو أسمع ردود أفعاله بعد ساعات من الحبس و كان وقتها قد دخل فى نوم عميق منذ أن دخل و بينما أنا على هذه الحالة ، إذا به ينادى يستيقظ و ينادى علىّ : يا أستاذ ، قلت لنفسى قبل أن أرد عليه و بدأت المشاكل ! سوف يطلب منى طلبات لا أستطيع أن ألبيها له و هنا تتكرر مأساتى .

لكنى و جدته يكلمنى فى وداعة و هدوء و يطلب التعرف على ّ فعرفته بنفسى فى إقتضاب فإذا به يواجهنى بهذا الطلب العجيب الغريب !! ، قائلا لقد جاءنى فى المنام من يقول لى ( آية 608 ) فهل تعرف هذه الآية ؟ ! ، فقلت له فى إندهاش عظيم لا أعرف آية فى كتاب الله تحمل هذا الرقم ، فقال لى فكّر فهذا الخاطر ألحّ علىّ كثيراً و أنا نائم و لا أجد له تفسيراً !! ، فأحسست عندها أنى إستعد لإستقبال رسالة ما ساقها الله إلىّ على لسان هذا الرجل الغريب الذى لم يدخل إلا منذ ساعات معدودة ، فتحت المصحف ووقعَ فى قلبى وعقلى أن هذه الآية ربما تكون هى مجموع الآيات التى تسبقها فى المصحف و فعلاً بدأت فى جمع عدد آيات السور من أول الفاتحة حتى و جدت الآية ( 608 ) هى الآية السابعة عشر فى سورة الأنعام ، قال تعالى ( و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و إن يمسسك بخير فهو على كل شىءٍ قدير ) و ذهلت و سكت و بكيت ! لقد وصلت الرسالة ، واضحة ، جلية ، منبهة ، موجهة ، شافية !!.

إن ( يمسسك) ( الله ) بماذا ( بضر ) ( فلا كاشف له ( إلا ( هو ) ، أخذت أرددها و كلما رددتها أكثر بكيت أكثر ، الله وحده هو النافع و هو الضار، بيده كل شىء و إليه يرجع كل شىء ، بيده الحركة و السكون و الأمر و النهى ، فوجهت و جهى إليه ، أدعوه دعاء المضطر المظلوم ، أبثه شكواى و أقول له يا من جعلت النار برداً و سلاما على إبراهيم إجعل حبستى هذه أمناً و سلاما علىّ و كان بعدها الهدوء التام و السكينة والطمأنينة ، نعم جاءنى بعدها نزلاء جدد و لكن بلا صوت ولا طلبات ، يقضون معظم أوقاتهم نُوّما حتى نسيت وجودهم بجوارى أصلا !! ليس هذا فحسب بل عشت فى سلامٍ نفسىّ عجيب وأخذ الوقت يمضى بسرعة عجيبة لا أشعر معه بلحظة ملل رغم وحدتى !! ، حتى قلت لأحد الضُباّط بعدها أننى أشعر أنى أعيش فى حلم !! ما أن يبدأ اليوم حتى ينتهى !!.

ما أجمل أن تشعر أن الله معك يحفظك و يرعاك ، فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ و إذا كان عليك فمن معك ؟! ، لقد إستشعرت حينها ولازلت بحياء شديد من الله ، سبحانه الودود الكريم الرحيم بعباده ، عودنا منه كل جميل ، لو عاملنا بعدله لخسف بنا و لو حاسبنا على تقصيرنا و ما جنته و تجنيه يدانا لجعل عالينا سافلنا و لأرسل علينا طيرا أبابيل و لكنه الرؤوف الرحيم .

و ذهب الرجل كما جاء بلّغ الرسالة و ذهب و ذهبت معه كل متابعى و عشت بقية أيامى كما أنا وحيدا و لكن فى هدوء حتى أشرفت أيامى فى هذا المكان على الإنتهاء و ما هى إلا ساعات معدودة و أحصل على حكم الإفراج السادس و أنا خائف أن يلحق بسابقيه و لا ينفذ !! و لكن تتأزم الأمور من جديد و ندخل فى محنة جديدة حتى يأتى الفرج من جديد و بشكل لم يخطر على قلب بشر !!.

السبت، ٦ ديسمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة ( 6 )


قوطة و دماغه العالية !!


أول مرة رأيته فيها كان يقف أمامى و الدماء تغطى معظم جسده و يقف فى قبالته ثلاثة من رجال الأمن يحاولون التفاهم معه و نزع الموس الحاد الشفرة الذى يهددهم به فى حالة إقترابهم منه و إذا سألتنى لماذا هو مضجر بدمائه ؟ ، أقول لك لأنه يقوم بجرح نفسه عدة جروح ثم يتهم السجان بإرتكابها ثم يطلب العرض على النيابة للتحقيق كل هذا ليهرب من عقوبة الحبس فى هذا المكان لمدة ثلاثة أيام لأن الوضع فيها مأساوى ( الزنزانة الحمام التى ذكرتها سابقا ) و هو المكان – العنبر - الذى حبست فيه نحو ثلاثة أشهر !! و لأنه كذلك يعتقد أنه لم يرتكب مخالفة تستدعى حبسه هنا على سبيل التأديب .

أدركت فورا أنّى مقبل على أيام عصيبة و أن أوّل القصيدة كفر كما يقول المثل فمشكلتى مع كل من يدخل فى هذا المكان أمران :

أولاً أنه يدخل و هو فى أسوء حالاته ، ثانياً أنّ الكل يعتقد أنّه مظلوم و من هنا تبدأ مشاكلى ، ما أ ن يدخل قوطة – بعد أن أقنعوه بالدخول - و من على شاكلته إلا و يبدأ فى الصراخ و القرع على باب الزنزانة و الإضراب عن الطعام محدثا ضجيجا هائلا و إزعاجا بلا حدود حتى هجرنى النوم طيلة شهر و نصف و خاصة أن نوعية قوطة تفر من الواقع الكئيب الذى يحياه فى السجن إلى عالم الأحلام و لكن عن طريق المخدر الذى يتعاطاه و المشكلة فى هذا المكان أن المخدر لا يصل إليه إلا تهريبا !! و عندما تنتهى مفعول الجرعة التى أخذها و لا يجد جرعة جديدة يبدأ فى فقد إتزانه و يبدأ فى الصراخ و كأنه أصابه مس من الجنون و يظل يقرع الأبواب قرع طبول الحرب ، لا يتعب و لايمل من القرع على الباب يفرغ فيه - الباب - كل ضيقه و غضبه و سخطه و لا يدرى أو يدرى أنه يفرغه حقيقة فى أُذنى أنا لا فى أُذن السجّان ، الذى لايستجيب لصرخاته و لا آهاته لأن السجّان تعود عليها فلم تعد تحرك فيه ساكنا ، مشكلتى أن الأمر لم يكن يقتصر على قوطة وحده فربما تعب أو يأس و لكن هناك أيضا أقرانه من ( زاوية ، عقب ، جلابية ، الصغيِر !! ) نفس الضجيج و ربما حاول بعضهم الإنتحار أو جرح نفسه كل هذا على مدار اليوم و الليلة و كأنهم فى وردية لإزعاجى و رفع ضغط دمى رغم أن لست مريضا بالضغط !.

كنت أشاهدهم و أتأمل و أتعجب من نوعيات البشر التى أراها أمامى ، لا يعرفون من الحياة إلا أسوءها ( المخدر ، البلطجة ، الجهل ، القسوة ) هم نتاج مجتمع و دولة تحلل من حاضره و ماضيه و مستقبله ، لا ترى هذه الشخصيات إلا فى صفحة الحوادث عادة أو فى العشوائيات أو هم يسرقون حافظة نقودك !! لا أنكر أنى قابلت بعضا منهم لا يزال فيه بقايا من الإنسانية فلا يوجد إنسان شر مطلق أو خير مطلق .

يا زميل !! هكذا كانوا ينادون على َ و يطلبون منى أن أساعدهم فى إدخال المخدر أو السيجارة إليهم و يعتبرون هذه المساعدة من الرجولة و ( المجدعة ) و لأنى بالطبع أرفض فيتحول الغضب و السخط من السجّان إلىَ أنا !! و هنا يبدأ الجحيم بعينه ضجيج متعمد لإطارة النوم من عينى ، شتائم لما أسمع بها إلا فى جلسات التحقيق ، كل هذا طيلة اليوم طلبت من الأهل أن يشتروا لى سدادة للأذن و لم تفلح ، طلبت حبوب منومة حتى أنام و لو ساعة و لم تفلح كذلك ، أضربت عن الطعام مرتين و لم يفلح الإضراب كذلك ، طلبت العرض على النيابة ، هددت بتصعيد الأمر حقوقيا و إعلاميا و لم أقابل إلا بضحكات ساخرة أخيرا جاء التدخل من الله ، الذى عودنى كل جميل و الذى كان يغمرنى بفيوضاته و رحماته و كان دائما يتدخل حين أفقد القدرة على المقاومة و أبدأ فى الإنهيار و تنقطع بى أسباب الأرض إنقطاعا من القلب و العقل و الوجدان و لهذا قصة أخرى بإذن الله .

الخميس، ٤ ديسمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة (5)

عربة الترحيلات و الطريق إلى المجهول


هى عربة ليست كباقى العربات فعادة عندما يستقل أحدنا سيارة يعرف جيدا أين يتجه و طبيعيا أن يكون بإختياره !

هنا نحن نتحدث عن واقع مختلف فسيارة الترحيلات و جدت لأمور كثيرة كما أعتقد :

أولاها إشعارك أنك تسير دائما إلى المجهول فأنت تتحرك إلى جهة لا تعلم موقعها حيث لا يخبرك أحد فى الغالب ، كما توضع عصابة على عينيك تخفى معالم الطريق و فى بعض الأحيان التى يسمح فيها بنزع العصابة تظل تنظر من شباكها الصغير إلى العالم من حولك الذى تتركه ورائك تحاول إلتماس السبيل واستكشاف المجهول الذى يفصلك عنه ساعات معدودة .

كان النظر من شباك العربة لحظة فى غاية الألم ، لأنك تنظر إلى البشر و الأماكن نظرة مختلفة نظرة شوق و حسرة على فراق هذا العالم إلى عالم ما وراء الأسوار ، يالله حين أنظر إلى البشر وهم يمارسون طقوس الحياة يومية فهذا مطعم الآن أمر أمامه تكاد تصلنى رائحة الطعام منه و هؤلاء أطفال يلعبون فى الشارع و هذا أحد الأسواق التى يعج بها البشر تفاصيل تفقد من واقع المرأ و حياة تسلب لحظة وراء لحظة ، هذه وسيلة المواصلات المكدسة التى تعبر من أمامى الآن و أشعر بضيق الناس فيها ، كم أتمنى أن أكون مكانهم !! فى ضيق و لكن تحت سماء الحرية .

حين يكون الإتجاه إلى المجهول يبدأ الإنسان تلقائيا فى البحث عن القادم البعيد فيبدأ فى سؤال من معه من الحرس و عادة ما يكونا شاويش و مخبر و يبدأ التهرب من السؤال بإجابة كاذبة : لا نعلم !! ، فتظل تحاور و تناور حتى تعلم تلميحا أو تصريحا أين تتجه و قد تمضى الرحلة ألى نهايتها و تفاجئ فى النهاية بمحطة الوصول .

ثانى الأمور التى من أجلها وجدت هذه العربات هو تكدير البشر أذكر فى أول رحلة لى على متنها ، أنى قضيت فى هذا الصندوق الحديدى المتحرك من التاسعة صباحا حتى الحادية عشر ليلا فى تحرك مستمر سقطت فيها أكثر من مرة فى أرض السيارة وانقلبت معدتى و أفرغت محتوياتها إحتجاجا على سوء السائق الذى كان يتعمد أن يسير فوق أسوء الطرق و يقفز بالسيارة فوق أعلى المطبات حتى إنفكت كافة مفاصيلى إنفكاكا و مادت الأرض من تحتى فنمت فى أرض السيارة و أنا ارى مصمصة الشفاة ممن معى من الحرس حزن على حالى و كثيرا ما يثار تساؤلات من جانبهم عن طبيعة تهمتى و الظروف التى أوصلتنى إلى ما أنا فيه ليزداد أسفهم الذى لا يغير من واقع الأمر شيئا اللهم إلا كسب تعاطفهم و زيادة نقمتهم على من فعل بىَ هذا .

و لا أحدثك عن الساعات التى تقف فيها السيارة فيتوقف معها تيار الهواء المتولد عن حركتها و يكون وقوفها تحت أشعة الشمس الحارقة لعدة ساعات فتبدأ عملية سلقك على نار هادئة ، أذكر أن من معى من الحرس و هم محبوسون مثلى ضاقت بهم الأرض من شدة الحر فخلعوا ملابسهم الميرى و بدأوا فى الصراخ و العويل و الطرق على الجدران مطالبين بالنجدة من شدة الحر و أنا جالس أتعجب من تصاريف البشر و إختيارتهم فى الحياة ما الذى يجبر هذا الرجل على العمل فى هذه الوظيفة ؟!! التى تعسر الحياة و لا تيسرها فى مقابل ملاليم لا تغنى و لا تسمن من جوع ، المهم إنتهت هذه الرحلة المقيتة بعودتى من حيث أتيت و لكنى خرجت منها محمولا على الأعناق من شدة الإعياء !! بعد أن دخلتها على قدمى ّ .

ثالث هذه الأمور التى وجدت من أجلها هذه السيارة ، هى إشعارك بأنك مهم جدا للنظام !! و كنت أضحك كثيرا مما أرى وأشاهد من جحافل القوات الخاصة التى تصاحب السيارة و تسير خلفها !! كنت أقول لبعض الضباط الذين يصطحبونى فى هذه الرحلة أنى لم أكن أعلم أنى بهذه الأهمية ، بل كنت أقسم لهم بأنى لو وقع على ّ عقوبة ما ووصف لى الطريق إلى السجن فسوف أذهب إليه لأسلم نفسى ليس شجاعة و لكن من المجنون الذى يهرب من تطبيق حكم عليه فى مصر و يعيش بين أهله فى جحيم و يطارد فى كل كمين ، اللهم عليك بهم أجمعين قل آمين .


blogger templates | Make Money Online