الثلاثاء، ٢٩ سبتمبر ٢٠٠٩

عندما يصبح الاختلاط عنوانا للتقدم و الرقى

عندما يصبح الاختلاط عنوانا للتقدم و الرقى
بقلم: د. ممدوح المنير نشر فى : بر مصر سعدت كثيرا بالخبر الذي أذاعته وسائل الإعلام عن قيام المملكة العربية السعودية بإنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا و خصوصا أن تفاصيل الخبر تتحدث عن توفير الجامعة لأحدث ما وصل إليه العلم في مجال البحث العلمي سواء من إنشاءات أو تجهيزات أو احتياجات بحثية أو بشرية أو مادية ، بالتأكيد هذه النقلة النوعية تحتاج منا لإشادة و ترحيب و تعتبر خطوة عملاقة إلى الأمام تشكر القيادة السعودية على القيام بها .......و لكن !! . عندما و صلت لآخر الخبر الذي أذاعته قناة العربية ( لسان حال الدولة السعودية كما هو معروف عنها و لا ضير في ذلك ) أصبت بدهشة بالغة أو قل صدمة ، حيث جاء نص الخبر بتاريخ 21 سبتمبر 2009م كما يلي (وتتميز الجامعة بأنها تسمح بالاختلاط ، في سابقة هي الأولى من نوعها في نظام التعليم بالسعودية، وهو ما يحظى بترحيب عدد من الأكاديميين السعوديين الذين سبق لهم أن دعوا إلى الاختلاط من أجل تحقيق التنافس العلمي بين الرجل والمرأة .......الخ ) ثم تمضى صياغة الخبر في الإسهاب عن ( مميزات و فوائد الاختلاط بين الطلاب ) واعتباره نقلة حضارية سوف تسهم في الارتفاع بالبحث العلمي و إزكاء روح المنافسة العلمية بين الطلاب !! . في البداية أحب أن أسجل نقطتين هامتين أولاهما : إنني لست من المعجبين بلفظة ( الاختلاط ) فهذه الكلمة دخيلة على الحضارة العربية الإسلامية و لم تعرفها إلا في عصورها المتأخرة و هي تعطى إيحاءا غير محبب للنفس حين تقرأها و لكننا سنستخدمها على أساس أنها اللفظة الدارجة حاليا للتعبير عن ( مشاركة ) الرجال للنساء في كافة أنشطة الحياة . ثانيا : إنني لست ضد الاختلاط ( المشاركة ) بين الرجال و النساء و الذي يتصوّر أنه من الممكن أن تستقيم الحياة دون ( مشاركة ) من الطرفين فهو يصادم الواقع و المنطق و الدين ، لكن الإسلام وضع القواعد و الضوابط التي تحدد حجم و شكل هذه ( المشاركة - الاختلاط ) ، فهو إذن ينظم هذه العلاقة و لا يلغيها . أما ما استوقفني في الخبر و حرك لدى مشاعر القلق و التوجس فأمرين بالغين الخطورة : أولا : أنه يجعل من الاختلاط هدفا من الأهداف الرئيسية التي أنشئت من أجلها الجامعة فقد جاء فى الخبر ( فالوضع الطبيعي لتواجد طلابنا وطالباتنا جنبا إلى جنب في قاعة المحاضرات بدءا بجامعة الملك عبد الله وفي مكتباتها و كافيترياتها ومواقع المنافسة وفي معامل البحث .... ومن اللافت أيضا أن الجامعة تقدم أجواء مناسبة تساعد على الإبداع، فمن شاء أن يصلي فهناك المسجد، ومن رغب بالسباحة سوف يعثر على المسابح. وفي الجامعة توجد الملاعب ودور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس، بالإضافة للخدمات الترفيهية مثل المطاعم وملعب للغولف وملاعب للتنس والشواطئ وأحواض سباحة ، ومارينا.) لاحظ أن الاختلاط لا يقتصر على مقاعد الدراسة فقط . ثانيا : أن الخبر و هو يتحدث عن الاختلاط بهذا الشكل حرص على أن يقرنه بالتقدم و الرقى و يجعله عنوانا للمدنية و الحضارة ، بحيث يصبح من يرفض الاختلاط فهو متخلف و رجعى و متعصب دينيا !! ، و عندما تقرأ الخبر داخل السياق المجتمعي في المملكة تجد أنك أمام حدث يحمل الكثير من الرسائل الملغمة للمجتمع ، لماذا ؟ : إذا كان الاختلاط يعنى التقدم فهل معنى ذلك أن كافة جامعات و مدارس المملكة الأخرى ( متخلفة ) حضاريا و يجب أن تنهج نهج جامعة الملك عبد الله حتى تلحق بركب الحضارة ؟! ، كذلك ما موقف المؤسسة الدينية السعودية من الموضوع ؟ و هي التي تحرم الاختلاط و تعتبره من الكبائر و مفسدة للدين و للعباد ؟! وما موقف المجتمع السعودي نفسه الذي يعتبر وجه المرأة و صوتها عورها !! كيف سيتقبل هذا الأمر ؟ ، ثم ماذا ستفعل إدارة الجامعة حتى يقتصر الأمر على الاختلاط فقط و لا يتطور إلى ما هو أكثر من ذلك ؟!! ، خاصة و أن نسبة السعوديين في الجامعة نحو 15 % من عدد الدارسين و الباقي من جنسيات عديدة أتت بموروثها الثقافي و الأخلاقي إلى الجامعة . ثم من قال إن الاختلاط أحد أسباب التقدم و الازدهار ؟! ، أليست الجامعات العربية في أغلبيتها الساحقة مختلطة ؟ ، هل هناك جامعة واحدة منهم في مصاف الجامعات المائة الأول في العالم ، أو حتى المائتين أو الخمسمائة ؟ . ألم يقم الرئيس الأمريكي جورج بوش - الرئيس السابق لأكثر الدول تقدما و حضارة في العالم الآن - بتشجيع الفصل بين الجنسين في مراحل التعليم المختلفة و أقر قانونا أيدته غالبية المجتمع الأمريكي ، يقضى بزيادة الدعم الحكومي للمدارس و الجامعات التي تطبق سياسة الفصل بين الجنسين في التعليم ، بعد أن تبين للجميع في أمريكا عظم المشاكل الأخلاقية و التعليمية التي يتسبب فيها الاختلاط . إن هناك مئات الدراسات الغربية و العربية التي تحذر من خطورة الاختلاط في التعليم و التي لا يتسع المقام لذكرها هنا و لكن برأيي أن الموضوع ليس بحاجة للاستدلال بهذه الدراسات فالواقع خير شاهد و لا يحتاج إلى من يدلل عليه . إن الموضوع ليس إضافة جامعة جديدة مختلطة إلى عشرات الجامعات العربية مثلها ، لكن أن تكون السعودية و خادم الحرمين الشريفين من يتبنى هذا الموضوع و يكفله برعايته ، هنا مكمن المشكلة . لذلك أطالب إدارة الجامعة أن تتريث في قرارها هذا و تحاول أن تجرب أولا ما استقر عليه العرف و الفتوى في المملكة من عدم الاختلاط و لتعتبر ذلك مادة بحثية جديدة !! ، تعرف من خلالها هل الأفضل للتحصيل العلمي الاختلاط أم عدمه ؟ ، و أرجوا من القائمين على البحث أن يجيبوا كذلك عن التساؤل التالي هل السبب الرئيسي لتخلفنا العلمي في الدول العربية هو الاستبداد و الفساد السياسي أم لا ؟ ! .

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online