الثلاثاء، ١٥ سبتمبر ٢٠٠٩

الحادي عشر من سبتمبر ونظرية الصدمة (1- 2)

نشر فى : إخوان أون لاين ، برمصر ، نافذة مصر بقلم: د. ممدوح المنير لم تكن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بالأمر الهين في التاريخ الأمريكي أو حتى تاريخ العالم، فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ضرب أمريكا في عقر دارها وبشكل لم يسبق له مثيل، فلم يكن سهلاً على الدولة العظمى أن ينكسر كبرياؤها، وتفقد هيبتها التي تفرضها بالحديد والنار على باقي دول العالم. في هذا المقال نحاول الإجابة عن سؤالين حيويين، بعد مرور ثماني سنوات على الحادثة، كيف تعاملت واشنطن مع الحادث؟ وهل نجحت في التعامل مع الحادثة؟. يخطئ مَن يظن أن الولايات المتحدة تعاملت مع الموقف بسياسة رد الفعل العفوي، فالدول المتقدمة تحركها مؤسسات لا أفراد، كما هو غالب في عالمنا العربي الذي يخضع لأنظمة شمولية يحكمها الفرد لا المؤسسة. حين أفاقت الولايات المتحدة من الصدمة أو هكذا أُريد لنا أن نفهم، تعاملت الولايات المتحدة مع الحادثة بمفهوم نظرية (الصدمة)، وتقوم هذه النظرية على فكرة (أن الأزمات تجعل ما هو مستحيل حدوثه سياسيًّا، أمرًا لا مفرَّ منه أو قابل للتحقيق في ظل أزمة عاصفة) وصاحب هذه النظرية هو البروفسور ميلتون فريدمان أو Uncle Miltie، فرضت الولايات المتحدة سياسات الصدمة عقب الحادثة، فتحت تأثير الصدمة يمكنك فعل كل شيء. لم يكن بطبيعة الحال الهدف استعادة الهيبة والانتقام وإن حرصت الإدارة الأمريكية على أن يبدو الأمر كذلك، إنما كان الهدف الإستراتيجي هو فرض واقع جديد على الساحة الدولية، والتحكم في عددٍ من الملفات لم تكن الإدارة الأمريكية تسيطر عليها بشكل كافٍ/ كيف؟ أولاً: لم تكن حرب واشنطن على أفغانستان حربًا على تنظيم القاعدة بقدر ما كانت حربًا على نفط بحر قزوين، فكما يقول الكاتب الأمريكي بول كروجمان في كتابه (الحرب الأمريكية على أفغانستان والعالم الإسلامي) وهو أحد الكتاب الأمريكيين المشهورين (إن الحرب المقبلة هي حرب على الموارد الطبيعية التي تفوق في أهميتها أي ربح آخر؛ لأن النفط هو أولوية وطنية لدى الإدارة الأمريكية) كان لا بد إذًا من السيطرة على نفط بحر قزوين الذي ظلَّت الإدارة الأمريكية محرومة منه لفترات طويلة، وخاصةً أن وزارة الطاقة الأمريكية تتحدث عن أن الاحتياطات النفطية المحتملة القابلة للاستخراج من بحر قزوين تصل إلى 200 مليار برميل، وهو رقم يقترب كثيرًا؛ مما لدى المملكة العربية السعودية من احتياطيات نفطية مثبتة والبالغة 269 مليار برميل لذا كانت ( صدمة ) الحادي عشر من سبتمبر الظرف المثالي لتنفيذ سياسات الصدمة تحت ستار الحرب على القاعدة. ثانيًا: خاضت الولايات المتحدة حربين في أفغانستان والعراق، في أفغانستان للسيطرة على نفط بحر قزوين، وفي العراق للسيطرة على نفط الخليج كليةً؛ حيث كانت حادثة الحادي عشر من سبتمبر الظرف المثالي لتنفيذ خطة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق التي أعدَّها بعد تسلمه العمل في الوزارة، وهي إعداد خطة لاحتلال العراق، لكنه لم يكن يجدد المبرر الذي يقنع به العالم لتنفيذ خطته. ثالثًا: وفر الحادي عشر من سبتمبر فرصة مثالية للقضاء على عدوين لدودين للكيان الصهيوني (العراق وإيران) التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، بل حتى الأوروبي، استطاعت الإدارة الأمريكية بالفعل احتلال العراق والقضاء على صدام حسين، واستطاعت كذلك جعل إيران داخل مرمى النيران الأمريكية مباشرة، بعد أن أحكمت حصارها سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا (القوات الأمريكية في أفغانستان من جهة وفي العراق من جهة أخرى). رابعًا: استغلت الولايات المتحدة الحادثة، في محاولة تقليم أظافر الحركات الإسلامية بكافة أطيافها، والتي تمثل مصدر خطر محتمل بالنسبة لها، وقامت بالتضييق على كافة المؤسسات الإسلامية العاملة في المجال الإغاثي، وتقديم بعض منتسبيها للمحاكمة بتهمة تمويل الإرهاب. خامسًا: عملت الولايات المتحدة تحت تأثير الصدمة على ترويض بعض الأنظمة العربية (المشاغبة)، وكان أبرز مثال لذلك؛ النظام الليبي الذي ما انفك يقدم فروض الطاعة والولاء للولايات المتحدة، وخاصة بعد الإخراج الهوليودي لعملية إعدام صدام حسين. سادسًا: في المجال الاستخباراتي، انفتح أمام الإدارة الأمريكية منجم ذهب من المعلومات؛ حين عملت كافة دول العالم، وخاصة في الوطن العربي على توفير الدعم المعلوماتي بلا حدود للإدارة الأمريكية، بل أصبح مشهد لقاء مدراء الاستخبارت العربية مع كوندليزا رايس مشهدًا مألوفًا، نشاهده على شاشة التلفاز كخبر من الأخبار!!. سابعًا: بدعوى الحرب على الإرهاب، وتأثير الصدمة استغلت الولايات المتحدة الفرصة؛ فأعادت تشكيل المناهج الدراسية في العالمين العربي والإسلامي، ومحو كل ما له علاقة بالجهاد الإسلامي من المناهج، ومحو كل أشكال ورموز المقاومة من كتب التاريخ، وإحلال عوضًا عنها ثقافة السلام (الاستسلام) بين الأجيال الناشئة. ثامنًا: حاولت أمريكا تحويل مفهوم المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، والذي يعد مشروعًا قانونيًّا وأخلاقيًّا إلى (إرهاب) يجب محاربته، وكان تحويل حركة حماس من حركة مقاومة إلى حركة إرهابية أبرز مثال على ذلك، رغم حالة الشد والجذب الشديدين الذي صاحب ذلك. هذه بعض من تأثيرات نظرية الصدمة الأمريكية؛ ولكن هل نجحت هذه السياسات بالفعل في تحقيق غايتها، هذا ما نحاول الإجابة عليه في المقال القادم بإذن الله؟!!.

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online