الخميس، ٢٤ سبتمبر ٢٠٠٩

الحادي عشر من سبتمبر ونظرية الصدمة (2- 2
بقلم: د. ممدوح المنير نشر فى : بر مصر ، نافذة مصر ، إخوان أون لاين تحدثنا في المقال السابق عن نظرية الصدمة، التي تتحدث عن أنه تحت تأثير الصدمة يمكنك إملاء سياسات وفرض واقع يصعب فرضه إلا بحدوث (كارثة)، تصبح هي المبرر لفرض هذه السياسات، وفي طرحنا في المقال السابق كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي (الصدمة- الكارثة) التي استغلتها الولايات المتحدة لفرض نظام عالمي جديد تحت سيطرتها، ولكن هل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها بناءً على هذه النظرية؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذا المقال. أولاً: في أفغانستان خاضت حربها الأولى ضد طالبان من أجل نفط بحر قزوين، كما قلنا سابقًا، ونجحت بالفعل في إقصاء حكم طالبان، والإتيان بنظامٍ موالٍ لها (حامد كرزاي)، لكن ما نستطيع أن نقوله هو أنها فشلت في تحقيق أيٍّ من أهدافها.. كيف؟! بالفعل أقصت طالبان، لكن الواقع أنها أقصتها من كابل العاصمة فقط، في حين ظلت طالبان مسيطرةً على مجمل الأوضاع في الكثير من الأراضي الأفغانية حتى اضطرت إلى طلب المساعدات العسكرية من دول الاتحاد الأوروبي وزيادة ميزانية الحرب بشكل متصاعد، ولولا التعميم الإعلامي الحاصل هناك لكانت خسائر الولايات المتحدة فضيحةً أخرى تضاف إلى سجلِّ فضائحها المتخم. من ناحية النفط وجدت الولايات المتحدة صعوبات كبيرة في حل معضلة نقل نفط بحر قزوين؛ لأن أفضل الطرق وأرخصها وأسرعها يجب أن يمر عبر أنابيب داخل الدولة الإيرانية العدو اللدود، ومنها إلى موانئ التصدير بالخليج، كما تزيد تكلفة الاستخراج والإنتاج ثلاثة أضعاف عن نظيرتها في دول الأوبك؛ نظرًا لوجود حقول قزوين في المياه المفتوحة وعلى أعماق بعيدة، وبذلك تكون الولايات المتحدة فشلت في تحقيق مجمل أهدافها الإستراتيجية في أفغانستان. ثانيًا: في العراق نجحت الولايات المتحدة في إزالة حكم صدام حسين بالفعل، لكنها سقطت في مستنقع العراق، فقد تحدثت (ليندا بيلميز) الباحثة الاقتصادية في جامعة هارفارد والكاتبة المشاركة في كتاب "حرب الثلاثة تريليونات دولار" مع الاقتصادي الأمريكي البارز الحائز على جائزة نوبل للسلام جوزيف ستيغليتز عن أن "التكاليف المباشرة والغير مباشرة للحرب ترفع التكاليف إلى 25 مليار دولار في الشهر (كل ذلك جعل الانسحاب من العراق مع عظم حجم الخسائر البشرية أيضًا في أولويات الحملات الانتخابية الأمريكية، بل يذهب كثير من المحللين إلى اعتباره- الانسحاب من العراق- عامل النجاح الرئيسي لأوباما على نظيره الجمهوري. بذلك تصبح هذه الحرب هي الفشل الأعظم في التاريخ الأمريكي الحديث؛ حيث فقدت بسببها- إضافةً إلى الخسائر المالية والبشرية- صورتها الأخلاقية (سجن أبوغريب نموذجًا)، وهيبتها العسكرية ومصداقيتها، حين دخلت الحرب بدون غطاء من الشرعية الدولية وبأسباب عرف العالم أجمع مدى زيفها. ثالثًا: أدركت الولايات المتحدة مدى غبائها السياسي والإستراتيجي احتلال العراق وأفغانستان، فقد كان أحد الأهداف الأساسية للحرب تطويق إيران ومحاصرتها فطوقتها هي.. كيف؟ كما قلنا في المقال السابق أصبحت إيران في مرمى النيران الأمريكية، لكن القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان أصبحت هي الأخرى في مرمى النيران الإيرانية كذلك!! بل بميزة إضافية لإيران.. كيف؟! حيث إن تكنولوجيا السلاح الإيرانية قاصرة عن الوصول إلى الولايات المتحدة في عقر دارها، في حين تستطيع تكنولوجيا السلاح الأمريكية ضرب إيران في العمق وبذلك يعتبر وجود الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان داخل مرمى النيران الإيرانية ميزةً يجب أن تتوجه بسببها إيران بخالص الشكر إلى الولايات المتحدة!. هذا فضلاً عن النفوذ الإيراني الشيعي في العراق وأفغانستان، والذي وجد متنفسًا كبيرًا له بعد احتلال الدولتين؛ لذلك نستطيع القول باطمئنان بأن الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان كان خدمةً للأهداف الإيرانية أكثر منها خدمةً للأهداف الأمريكية!!. رابعًا: في سعيها للقضاء على المد الإسلامي المتمثل في الحركات الإسلامية المتطرفة منها والمعتدلة؛ حققت أيضًا كذلك فشلاً ذريعًا، كيف؟! بالنسبة للحركات الإسلامية المتطرفة، كان الهدف المعلن هو القضاء على تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن زعيم التنظيم، وحتى الآن لم تنجح الدولة العظمى الأولى في العالم في اعتقال بن لادن أو حتى قتله، كما وفرت حربها القذرة أخلاقيًّا في العراق وأفغانستان عامل جذب لأدبيات القاعدة وأصبح هناك العديد من جماعات العنف التي تتبنَّى النهج الفكري للحركة، وبالتالي كانت حرب الولايات المتحدة على القاعدة عامل (تفريخ) للعديد من الحركات الإرهابية الأخرى. أما بالنسبة للحركات الإسلامية المعتدلة، سواءٌ التي تتبنَّى نهج المقاومة ضد الاحتلال (حماس نموذجًا) أو المعارضة السياسية السلمية (الإخوان المسلمون نموذجًا) فحاولت الولايات المتحدة تحجيمها بشتى الطرق، لكن كان الفشل حليفها كذلك. بالنسبة لحماس وأخواتها من حركات التحرر الوطني أصبح الانحياز الأعمى للكيان الصهيوني عامل دعم معنوي ومادي هائل لهذه الحركات؛ لأن الشعوب لا تحتاج إلى كثير جهد لمعرفة الحق من الباطل والغث من السمين، كما كان الفشل الذريع في حرب غزة الأخيرة التي كانت تستهدف إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة، كل ذلك جعل الحركة تكسب تعاطف العديد من الشعوب في العالم مع ازدياد رسوخ قدمها أيضًا داخل القطاع، كما اضطُرَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون إلى التعامل مع حماس بعد أن حاولوا حصارها سياسيًّا. بالنسبة للإخوان المسلمين في مصر فقد حققوا أكبر انتصاراتهم بالوصول إلى مجلس الشعب المصري بعدد مقاعد هو الأكبر من نوعه منذ تأسيس الجماعة، رغم حالات التزوير! وكان الحادي العشر من سبتمبر هو سبب هذا الفوز.. كيف؟ كانت إحدى النظريات التي تبنَّتها الإدارة الأمريكية السابقة بعد الحادي عشر من سبتمبر، أن الاستبداد السياسي هو العامل الحفّاز لنمو الجماعات الراديكالية التي تتوجس منها شرًّا، فضغطت أمريكا على بعض الأنظمة الديكتاتورية كمصر لتبني الديمقراطية، متوهمةً أن الديمقراطية ستأتي بأنظمة موالية لها، فكانت صدمة نتائج الاتخابات الديمقراطية في أولها سببًا كافيًا لتزويرها في آخرها، لكن بعد أن سبق السيف العزل وانتزع الإخوان 88 مقعدًا وتعزز وجودهم أكثر في الحياه السياسية المصرية وحقق الإسلاميون مكاسب عديدة في العديد من الدول العربية، أصبحوا رقمًا صعبًا يعمل له ألف حساب. خامسًا: حاولت الولايات المتحدة تقليم أظافر بعض الدولة المشاغبة بالنسبة لأمريكا كما قلنا في المقال السابق، ولكنها وصلت في نهاية المطاف إلى نتيجة صفرية، بل أصبح هناك تحالف إستراتيجي فيما بينها لمواجهة أمريكا! (التحالف الإيراني السوري نموذجًا)، بل انضم إليهم دول أخرى غير عربية مثل فنزويلا. سادسًا: نجحت الولايات المتحدة في تغيير بعض المناهج الدراسية والثقافية في بعض الدول العربية ونزع أدبيات المقاومة والجهاد منها، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة؛ حيث قاومت الشعوب ذاتيًّا هذه الحملة، فلجأت إلى وسائلها الخاصة بعيدًا عن الأشكال الرسمية التي تتحكم فيها الأنظمة الموالية لأمريكا، فانتشرت مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية الخاصة والجمعيات الأهلية وتضاعف أعداد الدعاة، فأصبح التأثير الأمريكي بلا قيمة حقيقية على أرض الواقع. بل نتيجة الاهتمام الأمريكي بالحرب على الإسلام كما أعلن بوش في بداية حربه على (الإرهاب) ازداد اهتمام الشعوب الغربية بمعرفة الإسلام فسجل عصر (نظرية الصدمة والحرب على الإرهاب) أعلى معدلات للدخول في الإسلام في أوروبا وأمريكا، بل أصبح الكتاب الإسلامي من أكثر الكتب مبيعًا عالميًّا، وبذلك تكون نظرية الصدمة سببًا في انتشار الإسلام في الغرب!. في النهاية أفضل ما يمكن أن يختم به هذا المقال قوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ واللهُ خيرُ المَاكِرينَ) (لأنفال: من الآية 30).

0 Comments:

blogger templates | Make Money Online