السبت، ١ مايو ٢٠١٠

من حجرة الجلوس إلى حجرة النوم !!


من حجرة الجلوس إلى حجرة النوم !!


بقلم / د ممدوح المنير *

 

نشر فى : نافذة مصر ، بر مصر


دار حوار بينى و بين أحد الأصحاب عن المستجدات فى الساحة المصرية و المتوقع من سيناريوهات  المواجهة بين النظام و المعارضة بكافة أشكالها ، فأخذ  يحلل الواقع فى اسلوب لا يخلوا من حكمة و فى حماسة لا تخلوا من غيرة على الوطن ، مما أثلج صدرى  من وجود أمثال هذا المواطن الواعى .


لكنه لم يمهلنى كثيرا ، إذ سرعان ما أتحفنى بكلام  ملىء بالإستسلام و الضعف ، وجدته يقول لى ( الحل فى ربنا )  قلت له و نعم بالله ،  لكن المولى عز وجل يقول { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم {  [ الرعد : من الآية 11] ، قال لى ماذا تقصد ؟! ، قلت  له إن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم ، و نحن لا نفعل سوى العكس ندمر انفسنا !! ، إذا لم نتحرك نحن أولا و نرفض ونقاوم الظلم و الطغيان و الإستبداد الذى تحياه الأمة فسيتجه حالنا من السىء إلى الأسوء ، فالمولى عزّ وجل  تدخله فى مجريات الأمور حاصل وواقع ، لكنه لا يفرض واقعا جديدا نتمناه  إلا بعد أن يستفرغ الدعاة و المصلحون كافة الوسع و الطاقة و الجهد ، عندها يستشعر فيهم الإستعداد للتضحية فى سبيله ، فيأتى النصر بإذنه.


شعرت أنه لم يرتاح لحديثى فقلت له مستبقا  (( و عادة  الناس جميعا يعرفون هذا الكلام أكثر منى ، لكن الكثير منهم  لا يريد أن يقتع به ، أو بمعنى أدق يدّعى عدم إقتناعه به !! ) ، فقال لى مندهشا - لأنى كشفت سريرته - كيف ؟!! ، قلت لأنه لو إقتنع ، فسوف يترتب على هذا الإقتناع ، أن يبدأ فى العمل و الحركة و بذل الجهد و الطاقة و التضحية بكل غالى و نفيس فى سبيل ما يؤمن به ، و كل هذا ثقيل على النفس مكروه بالنسبة لها ، فيعيش فى أزمة ضمير و إحساس بالتقصير إذا كان لديه قلب حىّ ، لذلك تجد الشخص يناور و يجادل و يدخل بك فى معارك جانبية أو فى حوارات لا تغنى و لا تسمن من جوع ، ليهرب من إستحقاقات المواجهة ، و ليجد مخرج لضميره كى يرتاح ، فسكت صاحبى و لم يحر جوابا .


لكنه أتحفنى بآخر نصائحه قائلا لى  و قد إكتسبت عبارته نبرات إنكسار لا تخطئها أذن ( ابعد عن الشر و غنيله !! )


فقلت له مبتسما المشكلة أن الشر هو الذى يأتى لنا ، كما أنى لا أجيد الغناء !!  ، فقال لى ( لا طاقة لنا بهم ) ، فقلت له مشفقا عليه ، ما أسوء شىء ممكن أن يحدث لك ؟! ، فقال لى فى سرعة عجيبة ( دخول السجن ) ، فقلت له هل هذا أسوء شىء ؟! ، فقال لى ( و هل هناك أسوء من ذلك ؟! ، قلّت قيمة و بهدلة ) فقلت له على رسلك دعنا نراجع كلماتك :


أولا قلت أنه أسوء ما يحدث لك ، فدعنى أسألك أيهما أسوء أن تدخل السجن بضعة أشهر أم تصاب بالسرطان ؟! ، فنظر إلىّ مبهوتا و سكت ، فأكملت حديثى دون أن أنتظر منه إجابة أيهما أفضل السجن بعض الوقت أو أن تصاب بفشل كلوى أو تليف كبدى أو بشلل أو بمرض مزمن من سكر و ضغط و نحوه أو غيرها من الأمراض الكثير ) .


للاسف الشديد معظم هذه الأمراض السابقة مصر الأولى عالميا فى معدلات الأصابة بها – عشرات الملايين - نتيجة تفشى الفساد و الإهمال الذى تخشى أن تقاومه ، يعنى الشر – مجازا و كل ما عند الله هو خير - هو  الذى أتى لك و لم تذهب أنت إليه !! ، فماذا تختار ؟! ، فقال صاحبى فعلا الحبس بضعة أشهر أحب إلىّ من أن أبتلى بهذه الأمراض عافنا الله و إيّاك .


فقلت له أثناء إعتقالى حكى لى أحد رفقاء الزنزانة  أثناء وجوده بسجن الترحيلات وهو حجز مؤقت لعدة ساعات أو أيام  للمعتقل لحين  توزيعه على أحد السجون ، قال رفيق الزنزانة (( جاءتنى زيارة من أهلى و فى صحبتهم صديق لى مريض بالسرطان و يعانى منه أيّما معاناة ، حتى أنه كان لا يقدر على الحركة ، و قد أصرّ أن يزورنى ،  فأوقفوه أمام الزنزانة التى أنا محبوس فيها و كانت حالتى النفسية فى غاية السوء و فى حالة جزع ، ثم  حملوه و رفعوه إلّى ليرانى من شباك الزنزانة المرتفع ،  و سلم علىّ ثم قال لى يا فلان و الله إنى على استعداد أن أجلس فى زنزانتك هذه بقية حياتى ،شريطة  أن يخفف عنّى الله الآلام التى أشعر بها ، فقال صاحبى فانتبهت واستحيت من الله على جزعى و قلت لنفسى السجن أحب إلّى مما هو فيه ) .


ثم أنت يا صاحبى تقول لى أنه ( قلّت قيمة و بهدلة ) ، فأما موضوع قلة القيمة فأستغرب أن يقول هذه الكلمة مثلك ، ، فقال لى لماذا ؟! ، فقلت له : كنت أحسبك من طبقة المثقفين الذين يعون جيدا وقائع التاريخ ؟! ، فقال لى كيف ؟! ، فقت له : هل  تعرف هذه الأسماء ( سيدنا يوسف عليه السلام ، أبو حنيفة النعمان ، أحمد بن حنبل ، بن تيمية ، أحمد ياسين ، سيد قطب ، حسن الهضيبى ، خيرت الشاطر ، محمد بديع ، مهدى عاكف ، فهمى هويدى ، مجدى حسين ، أسامة الغزالى حرب ، محمد حسنين هيكل ، مانديلا ، ... الخ ) و غيرهم الآلاف بل عشرات الآلاف من القادة و المصلحين و الكتاب و المفكرين و السياسيين على إختلاف مشاربهم ، هل قلل السجن من قيمتهم ؟! ، فسكت صاحبى و قد يأس من أن يجد جوابا و أطرق بعينيه إلى الأرض ، فوضعت يدى على كتفه و قلت له فى ودّ ، إن أقدار الرجال تعرف بقدر تمسكهم بمبدائهم و إستعدادهم التام للتضحية فى سبيلها ، إنهم يخافون كما يخاف الناس و لكن الذى يفرق بينهم و بين غيرهم هو سرعة التغلب على هذا الخوف ، فالخوف لدى الرجال طارىء و لدى أشباه الرجال دائم .


أما عن  ( البهدلة ) التى تتحدث عنها فهى نفس مشاعر و أحاسيس ( البهدلة ) التى تعيشها فى حياتك العادية  لا فرق ، فخرج عن صمته و حدق فىّ قائلا كيف ؟!  ، قلت له مشاعر ( الغضب و الضيق و الحزن و الهم و القلق و الخوف ) كل هذه المشاعر السلبية التى قد تنتابك حين يضايقك أحد فى زحمة المواصلات أو تتأخر زوجتك فى إعداد الطعام أو  و أنت تنتظر ترقية أو نتيجة إمتحانات أو وفاة عزيز أو خسارة تجارة هي نفسها المشاعر و الأحاسيس التى قد تنتابك  فى السجن إن لم تستعن بالله .


فقال لى لم أفهم ما تقصده ؟! ، فقلت له يا صاحبى  ما أعنيه أن السجن لن يضيف لك المزيد من المشاعر و الأحاسيس السلبية نتيجة الحبس فهى نفسها المشاعر التى تشعر بها فى حياتك العادية ، بل على العكس إن فوّضت أمرك لله فسرعان ما تشعر براحة ما بعدها راحة  ، فنظر صاحبى إلى ّ مستغربا و قال لى منطقك غريب !! .


قلت له لا توجد غرابة و لكن هذا هو ما يعلمنا إياه الإسلام ، قد تخاف على عملك أو تجارتك أو حياتك  إذا وقفت إلى جانب الحق ، لكن حين تسمع حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا  لا يمنعنّ أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه  لا يقرب من أجلٍ ويباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكّر بعظيم ))  (رواه الإمام أحمد ) ، عندها تشعر بطمأنينة فى قلبك و راحة فى صدرك و تعلم أن قول الحق ودفع الباطل لن يقدّم أجلك أو يمنعك الرزق  ، ثم ختمت كلامى معه  قائلا من أمثال هؤلاء الرجال الذين تلخّص مواقفهم كلامى هذا  كله ، المستشار حسن الهضيبى رحمه الله حين سئل عن  شعوره عندما حكم عليه بالإعدام؟

فأجاب : كأني أنتقل من غرفة الجلوس إلى غرفة النوم.

·  


2 Comments:

غير معرف said...

سبحان الله ان هذا الشعور الجميل يحتاج الى برهه من الوقت حتى يشعر الانسان به ..ولكنه ايضا يحتاج الى تاديب للنفس ان ترى ان اهدافها وغايتها اعلى واسمى من كل شئ وإلا فلما صبر الانبياء على اذى قومهم فى سبيل نشر دعوتهم كان كل منهم يرى ان قومه على خلاف معه ولكنهم صبروا وصبروا فى سبيل دعوتهم صبروا لانهم على يقين من انهم على الحق ..صبروا على امل احداث تغيير فى الناس من حولهم .. صبروا على امل اخراج الناس من غفلتهم
لذلك ادعوا الله ان يلهمنا جميعا الصبر وان نكون دائما على الحق

غير معرف said...

سؤل احد الناس قائلا لما يحبك كل الناس فاجاب اصلحت مابينى وبين الله فاصلح الله مابينى وبين الناس

blogger templates | Make Money Online