الثلاثاء، ١٣ أكتوبر ٢٠٠٩

مفتي الجمهورية وفتاواه الإخوانية

مفتي الجمهورية وفتاواه الإخوانية

بقلم: د. ممدوح المنير تعجبت كثيرًا من تصريحات فضيلة مفتي الجمهورية د. علي جمعة، والتي أدلى بها في الولايات المتحدة على هامش مشاركته في ندوة "تحديات الإسلام المعتدل.. المؤسسة الدينية المصرية ضد التطرف"، التي عقدها معهد السلام الأمريكي بجامعة جون هوبكينز بالعاصمة الأمريكية واشنطن التي عقدت الأربعاء (7/10/2009م). تحدَّث المفتى قائلاً: (إن جماعة الإخوان أمامها أحد طريقين، إما أن تصبح جمعية خيرية ذات نشاط اجتماعي، أو حزبًا سياسيًّا ليس له أساس ديني.. وإن أغلب المصريين لا يحبذون تأسيس أحزاب على أساس ديني)، على حد قوله. ثم أضاف قائلاً: (إن السماح لحزب واحد يدعي أنه حزب إسلامي؛ سوف يشير ضمنًا إلى أن الأحزاب الأخرى ليست إسلامية، وهذا لا يتوافق والمبدأ الدستوري بأن كل قوانين مصر إسلامية)، وأشار المفتي إلى أن الإخوان يرون أنفسهم جماعة المسلمين، ومن ليس معهم يصبح غير مسلم، بحسب وكالة (أمريكا إن أرابيك). أما مثار العجب والدهشة التي انتابت المرء؛ فترجع إلى عدة أسباب أتمنى أن يتسع لها صدر مفتي الجمهورية: أولاً: أنْ يقول إنه ليس أمام جماعة الإخوان المسلمين سوى طريقين، أمر يجعلك تشعر بأنك أمام مسئول سياسي كبير في الدولة، يحدد لقوى المعارضة الرئيسية في مصر الخيارات المتاحة لها، وهذا بالطبع تموضع في غير موضع، فكان أولى به أن ينأى بنفسه على أن يكون طرفًا في علاقة الخصومة بين النظام والإخوان؛ لأن جلال المنصب يستدعي أن يكون قادرًا على استيعاب الجميع، كان يمكنه ببساطة أن يرفع عن نفسه الحرج ويجيب بإجابة دبلوماسية والمفتي يجيد هذا اللون من الدبلوماسية باقتدار. ثانيًا: يقول فضيلته (إن جماعة الإخوان أمامها أحد طريقين.... أو حزبًا سياسيًّا ليس له أساس ديني)، جملة في رأيي مذهلة أن تصدر من مفتي الجمهورية، قد تقبل هذه الجملة من علماني أو سواه من التيارات الفكرية الأخرى، أما أن تصدر من مفتي الجمهورية فأمر يبعث على الحزن. ألا يعلم فضيلته أن أحد الشروط الأساسية للتأسيس الأحزاب في مصر أن يكون الحزب لا يتصادم برنامجه مع الدستور المصري، والدستور يقول في فقرته الثانية أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وبالتالي فالإخوان حين يدعون لإقامة حزب ذي مرجعية إسلامية؛ فهذا النهج يتوافق مع صحيح الدستور والقانون. كما أنني لم أقرأ أو أسمع أحدًا من الإخوان يتحدث عن تأسيس حزب على أساس ديني، بل تواترت كافة تصريحات الإخوان على نفي هذا الزعم، وكانت مجمل التصريحات والبيانات الصادرة عن الجماعة، بل حتى في مسودة برنامجها تتحدث عن حزب ذي مرجعية إسلامية، وشتان بين الجملتين، جملة (حزب على أساس ديني)، وجملة (ذو مرجعية إسلامية). الجملة الأولى تجعل الدين حكرًا على فئة بعينها، وتقتصر العضوية في هذا الحزب على دين بعينه أو طائفة دينية بعينها، الحزب على أساس ديني يجعل لعلماء الدين الكلمة الأولى والأخيرة في كل شيء، ويجعل منهم سلطانًا على الدنيا والآخرة، ويصبح الشعب في معزل عن أن يكون له رأي في حاكميه أو حتى شئونهم اليومية. أي أن هذا النموذج يستدعي من التاريخ عصور الظلمة في الغرب التي تحكم فيها رجال الكنيسة في شئون الحياة، ووزعوا الجنة والنار على حسب رضائهم وسخطهم على الأتباع، أو قل إن شئت نموذج ولاية الفقيه الإيراني أو مرشد الثورة الذي يقول الدستور الإيراني عنه أنه لا رد لحكمه، ويدعي له القداسة والعصمة من الخطأ، وكل هذه النماذج من الغرب والشرق مرفوضة إسلاميًّا ومرفوضة بالمطلق إخوانيًّا على حد علمي ومتابعتي للشأن الإخواني فكرًا وحركةً. أما الحزب ذو المرجعية الإسلامية الذي يتبناه الإخوان فهو يجعل من الدين ضابطًا لشئونه، حاكمًا لتصرفاته، وازعًا لضميره، حزب ذو مرجعية لا قداسة فيها لأحد إلا الله، ولا معصوم فيها من الخطأ سوى الرسول صلى الله عليه وسلم، مرجعية تعيد للإنسان كرامته وإنسانيته، مرجعية تعلي من مكارم الأخلاق، مرجعيتها غايتها الله، وهدفها الإنسان كل الإنسان أيًّا كان دينه أو موطنه، مرجعية شعارها الأبدي ما قاله عمر بن الخطاب حين تولى الخلافة (إن رأيتم فيّ اعوجاجًا فقوموني)، فيندب له رجل من عامة المسلمين يقول: لو وجدنا فيك اعوجاجًا لقومناك بحد سيوفنا، فما يزيد عمر على أن يقول: (الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه)، مرجعية تملك الأمة فيها التصرف في كافة شئون حياتها ما دامت تتحرك داخل الإطار الإسلامي الضابط لها. ثالثًا: ألم تتواتر أحكام القضاء المصري على اعتبار شعار (الإسلام هو الحل)، الذي يمثل المرجعية الإسلامية متفقًا مع الدستور والقانون المصري. رابعًا: عن أي تأسيس لحزب يتحدث فضيلة المفتي، وهو خير من يعرف أن تأسيس حزب في مصر هو خامس المستحيلات الأربعة!!. خامسًا: يقول فضيلته (إن أغلب المصريين لا يحبذون تأسيس أحزاب على أساس ديني)، أعتقد أن من حقي أن أطرح على المفتي سؤالاً بديهيًّا؛ من أين استقيت هذا النتيجة التي توصلت إليها أن غالبية المصريين لا يحبذون تأسيس أحزاب على أساس ديني؟، هل كلفت فضيلتكم دار الإفتاء مثلاً بعمل استطلاع رأي توصلت به إلى هذه النتيجة؟!، ثم ألم تعلم فضيلتك أن جماعة الإخوان المسلمين حظيت بـ20% في مجلس الشعب المصري رغم التزوير الذي شاب الانتخابات خاصة في جولاتها الأخيرة؟!، إذن أليس من الصواب أن نقول إن غالبية المصريين يؤيدون تأسيس حزب ذي مرجعية إسلامية؟!. سادسًا: تحدثت فضيلتكم، وكأنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، ورغم إيماني المطلق بأن السياسة جزء أصيل من الدين الإسلامي، والأدلة على ذلك من الكثرة والحجيّة ما تجعل أي دارس مبتدأ منصف للدين يصل إلى هذه النتيجة؛ لكن لنفترض جدلاً أنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين كما تعتقد، فلماذا قبلت أن يعيّنك رجل سياسة وهو رئيس الجمهورية؟!، أليس من الإنصاف ألا يتدخل أهل السياسة في الدين وأهله كذلك؟!. سابعًا: قلتم في الندوة: (إن الإخوان يرون أنفسهم جماعة المسلمين)، ومن ليس معهم يصبح غير مسلم، قل لي بربك من الإخوان الأولين والآخرين من قال هذه العبارة؟ ومن أي كتاب اقتبستها؟، بل ائتني بدليل واحد أو حتى شبه دليل على هذا الادعاء بأن غير الإخوان تعتبرهم الجماعة غير المسلمين!!، العجيب أن هذه الفرية لم يطلقها حتى الكثير من أشاوسة النظام، أو حتى العديد من عتاة العلمانية، وهي من الفريّات التي لا تستحق حتى مجرد الرد ولكن فقط علامة تعجب! كنت أتمنى أن ينأى المفتي بنفسه ودينه ومكانته عن هذا الكلام المرسل بلا دليل الذي يفتقد أبسط قواعد الموضوعية، فهو خير من يعلم أن البينة على من ادعى، وأن لكل قول دليلاً، وغير ذلك يحق عليه قول الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17)﴾ (الرعد)

1 Comment:

Sawsan Ibrahim said...

ربنا يسترها معاك ويعزك ويعز الإسلام بك يا دكتور ممدوح

blogger templates | Make Money Online