الثلاثاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٨

تأملات التجربة (3)

الحمَام !!!
أعتذر للقارئ فى البداية عن الإنتقال الصعب من السماء و القمر و النجوم إلى الحمام !! ، قيل فى الحكم القضبانية – نسبة الى ما وراء القضبان – أن الحمام نصف الحبسة ، فأن يكون هناك حمام فى الزنزانة فهذا إنجاز ضخم يستحق الله الشكر على هذه النعمة الميمونة المباركة .
و عذرا إذا كانت هذه الذكريات من ذوات الرائحة الكريهة و لكنها قصة تستحق أن تروى ! ، كنت فى أيام حبسى الأول أو قل أيام إختفائى (21 يوما) أعيش فى زنزانة بلا حمام كان هناك زجاجتين واحدة لقضاء الحاجة و أخرى للشرب و كلا الزجاجتين كان فارغا و عندما طلبت ملئ إحداهما بالماء سمح لى بذلك فى كرم حاتمى قل نظيره و لكن ظهرت مشكلة أخرى أمامى أيهما مخصص لماء الشرب حتى أعيد ملأها !، حقيقة لم أعرف و إذا سألتنى ألم تستطع أن تميز الرائحة ؟ قلت لك فى الزجاجتين تساوت الرائحة وكلتا الرائحتين كريهتين !! .
عموما فى هذه الأوضاع يبدأ الإنسان فى التنازل عن بعض ما اعتاد عليه فى حياته ، فأنا معروف عنى مثلا أنى مسوس نظافة و تخيل حالتى وقتها ! ، لم يكن الوقت المتاح لى كبيرا فقمت باختيار إحداهما و نظفتها – أو هكذا أقنعت نفسى ! – و ملأتها بماء الشرب و الأخرى نظفتها بحيث تكون جاهزة لوظيفتها الأخرى التى لا داعى لذكرها ، يكفى المرة السابقة التى ذكرتها من قبل ! .
و إذا سألتنى وأين تقضى حاجتك الأخرى؟ قلت لك فى أيام الإختفاء كان مسموحا لى بدخول الحمام مرة واحدة فقط فى اليوم و لفترة قصيرة جدا لا تسمح بهذه المهمة العاجلة و الخطيرة و غالبا ما كنت أصاب بإمساك لأن السجان منذ لحظة دخولى الحمام بل و قبل الدخول يظل يتوعد و يهدد إذا تأخرت فى أداء المهمة و لكن يبدو أن جهازى الإخراجى دخل فى إضراب مفتوح عن العمل !! و دون إذن منى إحتجاجا عن سوء معاملته و بهذا أصبح الإمساك سيد الموقف !! وكان هذا عذابا فوق العذاب .

كانت هذه الرحلة اليومية من الزنزانة إلى الحمام تقضى عدة طقوس منها أن أحمل الزجاجتبن معى لأفراغهما من محتوياتهما و إعادة ملإهما من جديد ثم دخول الحمام و الوضوء ثم العودة ، أميز ما فى هذه الرحلة هى أن تتاح لك الحركة على ساقيك و لو لأمتار قليلة ، لأنه بطيبعة الحال كان الزنزانة لا تفتح أبدا إلا لأداء هذه المهمة أو للتحقيق و ما أدراك ما جلسات التحقيق !! .
و لكن للأمانة فى أيامى الأخيرة فى هذا المكان أصبح عدد مرات الدخول مرتين و سمح بزيادة المدة فى كل مرة ، أما الشىء الإيجابى فى الموضوع و هو أن المرأ كان عازفا عن الطعام لسببين أولهما مشكلة الطعام نفسه و هذا قصة أخرى و ثانيهما أن الأكل يستتبعه عمليتين فيسيولوجيتن الهضم و الإخراج و كلاهما لا يسيطرة للمرأ عليه !! ، وهذا بالطبع كان رجيم إجبارى كنت فى حاجة إليه و لازلت !!.

حين إنتقلت إلى سجن وادى النطرون كان الزنزانة يوجد بها حمام و كان فرحى بذلك عارما و بالتالى أوقف جهازى الإخراجى إضرابه و دخلت فى نوبة من الإسهال و تعمدت ألا أتناول له دواء حتى يستمر أطول فترة ممكنة و كأنى أعوض ما فاتنى طيلة الفترة الماضية ! .
حين إنتقلت إلى السجن الآخر فى منطقة طرة فيما يعرف بالتغريبة ، كان إستقبال إدارة السجن لى أكثر من رائع ، إبتسامات ودودة ، كلمات رقيقة عذبة ، كان ناقصا فقط أن يأخذونى بالأحضان و القبلات حتى أننى ظننت أنى داخل إلى فندق الفورسيزون و ليس إلى سجن ! ، و نتيجة لهذا الإستقبال الرائع إستجمعت شجاعتى و طلبت دخول الحمام ! ، و كانت الإجابة أكثر رقة و عذوبة ( لحظات قصيرة و تدخل إلى مكانك و لتفعل ما تشاء ) و دخلت فعلا و أنا هانئ النفس منشرح الصدر و أخذت أقول لنفسى يبدوا أنهم يريدون أن يكفروا عما فعلوه معى !
و أدخلونى فعلا الحمام و كان نظيفا رغم ضيقه ( 1.5 * 1.80م ) و لكنى فى حبور قلت لا مشكلة بالنسبة لحمام ، ثم كانت المفاجأة المذهلة أنى لم أدخل الحمام لوحدى !! ، و لكن أدخلوا معى حقائبى أيضا ! ثم أغلقوا الباب !! كانت صدمة قاسية للمرأ لم أتوقع أن يكونوا بكل هذا الكرم لقد طلبت فقط أن أدخل الحمام فإذا به يتحول إلى مكان أعيش فيه !! وتكتمل درامية المشهد حين تعلم أن المياه لا تزورنى عبر الصنبور إلا خمس دقائق فى اليوم و الليلة و يصل الفيلم المأساوى الذى عشته إلى ذروته حين تطفح المجارى على و أنا فيه ووضعت فى موقف حرج إما أن أتعامل مع المجارى بيدى – لا تنسى وسوسة النظافة – و إما أن أتركها تصل للمرتبة و الحقائب التى معى و كان الإختيار الأول هو القرار و يالها من لحظات صعبة و مقيتة على النفس أضف إليها ضعف التهوية الشديد مع حر الصيف الذى لا يطاق حتى إنتهت هذه الغمة وانتهت معها وسوسة النظافة إلى الأبد !! ، بطريقة علاج يستحيل أن تخطر ببال أفضل الأطباء !!.
قابلتنى عدة إشكاليات فقهية و أنا فى هذا المكان على سبيل المثال ما حكم الصلاة و قراءة القرآن فى الحمام ؟!
خاصة أننى كنت أصلى و لا تفصلنى عن حافة القاعدة سوى (5 سم ) !! أتمنى أن يجيبنى شيخ الأزهر أو فضيلة المفتى عن هذا التساؤل البرئ ! ، إستمر وجودى فى الحمام ثلاثة أيام بلياليهم حتى إنتقلت إلى مكان أفضل و أوسع بعد أن أضربت عن الطعام واعتصمت أسرتى فى مكان الزيارة بعد معرفتهم بظروف التى أعانى منها .
ملحوظة ختامية هذا المكان الذى كنت به يطلقون عليه زنزانة إنفرادى بها حمام أما أنا فأطلق عليه حمام بزنزانة ! و سبحان من له الدوام فى بداية الحبسة كنت أحمل حمامى فى يدى و فى نهايتها كنت أعيش فيه ! و الحمد لله على كل حال .

3 Comments:

غير معرف said...

ياه دا انت شفت كتير
ربنا يجعله في ميزان حسناتك
و يعوضك عنه كل خير

غير معرف said...

ربنا يتقبل

غير معرف said...

اللهم لك الحمد على خروجك بالف صحه وسلامه على الرغم من انى لم اكن اعرفك ولكن اثناء قراءة موقع نافذة مصر قرأت اسمك واسم مدونتك وكنت منبهر بهذه القدرة العجيبه على متابعة الاحداف فى المحله لانك قد فوقت كل وكالات الانباء العالمية والمحلية.
كما كنت امر على مدونتك للاطمئنان عليك كلما اتيح لى ان ادخل على النت وكنت اسال الله لك السلامه وانت تخرج بالف صحه وعافيه
ثم متابعة لاخبارك عرفت ان عضو المحله عن الاخوان المسلمين كان يطالب بخروجك حتى فؤجئت بخبر خروجك وكان فرحه فى قلبى ويعلم الله فاسرعت الى مدونتك فوجدت الخبر فعلا صحيح فالف مليون حمد ا لله بالسلامه واسأل الله ان يكون هذا الذى رأيت فى ميزان حسانتك وان يجعله نار على عدوك وحسره عليهم وعلى اولادهم واسال الله الا يرحم من اتعبك واسأله أن يجمعنا معك مع رسولنا الحبيب فى الفردوس الأعلى باذن الله
اخوك مصطفى حسن

blogger templates | Make Money Online