صدقني أنت لا تعرف القصة!!
د.ممدوح المنير
🌳“وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود” الكهف، آية 18
في الكهف هم أجسادًا ساكنة، تنام في سكون تظنه أبدي، مشهد قد يثير شفقتك أو رعبك حين تنظر إلى أعينهم المفتوحة.
من هؤلاء؟!
بعيون أهل الدنيا القاصرة ، هم شباب رثّي الثياب ينامون على الأرض داخل كهف بعيد!!
لا قصور و لا دور، لا ملك و لا صولجان، لا كنوز لا حسان و لا غيدان، لا شيء.
🌳“وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود”
هكذا يبدو المشهد من بعيد، ككل مشهد نراه في هذه الحياة.
وهنا تتجلى سُنّة إلهية بالغة:
أن ما تراه لا يُعبّر دائمًا عمّا هو عليه.
الظاهر خدّاع، والباطن لا يعلمه إلا الله.
فكم من شخص تراه بعينك غنيا و هو يعيش بستر الله.
و كم يبدو أمامك من بشر أقوياء جبابرة و هم في الحقيقة تافهون، خشب مسندة، تهزهم الريح و تقتلعهم العواصف الهادئة!!
كم من شخص يضحك و يبتسم لك وهو يخفي جبال من الحزن و الألم لا تعلم بها.
كم شخص تظنه حكيما واعيا و هو تافها أحمق.
كم من شخص تحسبه مسكينا حقيرا و هو عند الله غالي.
ففي الحديث الصحيح ( أنه مر رجل من فقراء المسلمين على النبي يوما فقال النبي لأصحابه: ( ما تقولون في هذا ؟ ) ، فقالوا : رجل من فقراء المسلمين ، هذا والله حرى إن خطب ألا يزوج ، وإن شفع ألا يشفع ،
ثم مر رجل آخر من الأشراف ، فقال : ( ما تقولون في هذا ؟ ) ، قالوا: رجل من أشراف القوم هذا والله حرى إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، فأشار النبي على الرجل الفقير الأول فقال : ( والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“رُبّ أشعث أغبر، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه” (رواه مسلم).
فلا تغتر بيقظة عين، ولا تحتقر
سكون جسد.
🌳“وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود”
ذكر ابن القيم أن من معاني “الرباط” في سبيل الله: أن يُرابط الإنسان على ثغر من ثغور الدين، ولو كان في قلبه، يحرس إيمانه، ويُقيم الليل، ويُجاهد نفسه، ويُصلح بيته.
كم من قلوب ساكنة تُحرّك السماء بدعائها؟ وكم من أجساد واهنة يشتعل بها نور الرباط؟
🌳“وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود”
أعلموا أن ظاهر الناس ليس كلّ الحكاية، فوراء كل إنسان قصة و رواية طويلة أنت فقط ترى صفحة من صفحاتها.
صدقني أنت لا تعرف القصة، أنت لا تعرف شيئا!!
تفقدوا أحوال إخوانكم و أحبابكم وجيرانكم، لا تخدعكم لحائف الستر و كرامة النفس من تفقد من حولكم، إنه دين التناصح و التآزر و التعاضد.
🌳“وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود”
يا صاحبي، لا تتعجل الحكم.
العين ترى قشور الأشياء،
والله وحده يعلم لبّها.
نحن نزن الناس بكلماتهم، بمظاهرهم، بصورهم،
فتنة المظاهر أفسدت على الناس فقه الحقائق.
ظنّوا أن العمل إن لم يُرَ فهو لا يُحتسب،
لكن فتية الكهف قالوا لنا بصمتهم:
إن النية الصادقة قد تسبق العمل،
وإن العزلة لله قد تعلو على ضجيج المدّعين،
قال الحسن البصري:
“ربّ عبدٍ نام على فراشه، ولكنه عند الله قائم ساهر، قد كُتب في ديوان المجاهدين.”
ويا لها من فتنة!
أن نُحسن الظن بمن أعجبنا صوته ومظهره،
ونُسقط من حساباتنا من خف صوته، وسكن بدنه، واختفى ذكره.
لكن الكهف يعلّمنا درسًا:
أن الخفاء قد يكون رفعة،
وأن من اختار الغياب لله، قد رفعه الله فوق منابر النور،
وأن الله لا يضيع عباده، وإن ناموا.
فيا رب، لا تجعلنا من أهل الظاهر الذين فُتنوا بالقشور،
واجعلنا ممن إذا رقَدوا، رقَدوا في طاعتك،
وإذا خفَوا عن الناس، ظلّوا تحت عينك،
وإذا قلّ ذكرهم في الأرض، عظم ذكرهم في السماء.
اللهم اجعلنا ممن إذا نظرتَ إليهم، رضيت،
ولو لم يلتفت إليهم أحد من العالمين.
#افتح مصحفك وادخل كهف قلبك_٢٩
#خواطر_الكهف_المنير
#صليّ_على_نبيك