اعتقال سيدنا يوسف!!
بقلم: د. ممدوح المنير
نشر فى : إخوان أون لاين ، نافذة مصر ، بر مصر ، العرب نيوز
أصبحت عمليات الاعتقال التي تتم بحق كوادر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين خاصة والمعارضة عامة في الفترة الحالية، محط أنظار وتتبع كافة المحللين، حول أسبابها وتداعياتها والهدف من ورائها، ورغم أهمية ذلك في توضيح الصورة، إلا أنه من الأهمية بمكان دراسة جذور هذه الظاهرة المستفحلة والتي أصبحت عاملاً رئيسيًّا في انهيار الأمن الاجتماعي وزيادة حالة الاحتقان لدى المجتمع فضلاً عن تشويه صورة مصر أمام العالم.
حين نتطلع إلى آيات سورة يوسف نجد الكثير من الإشارات المباشرة وغيرة المباشرة، والتي تتناول هذا الموضوع منها
أولاً: لم تذكر كلمة السجن في القرآن صراحة، وبأشكال مختلفة إلا في الحديث عن مصر تحديدًا! وعن علاقة النظام الحاكم بمعارضيه!! تأمل معي الآيات الكريمة من سورة يوسف ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾، وقوله تعالى ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾، وقوله ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)﴾، وقوله ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾، وقوله ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)﴾، ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)﴾، وقوله ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾، وقوله ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ
ثماني مرات في سورة واحدة تذكر فيها كلمة السجن مرتبطة بما يحدث في مصر!، وبما يحدث مع معارضي النظام الحاكم!!، الأعجب من ذلك أن المرة الأخرى الوحيدة التي ذكرت فيها الكلمة في القرآن في سورة الشعراء آية 29 كانت أيضًا بين الحاكم المستبد ومعارضيه في مصر أيضًا!!، تأمل الآية في الحوار الذي يجرى بين فرعون وسيدنا موسى ﴿قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29)﴾ (الشعراء)، تهديد مباشر بالاعتقال لسيدنا موسى إن لم يخضع لأمر الفرعون!!، مما يدل على أن قمع المعارضة بالاعتقال والحبس هو أكثر الأمور تجذرًا في تاريخ العلاقة بين الحاكم ومعارضيه في مصر
!!.
هنا قد يعترض معترض بقوله، لكن الاعتقال يجري في كافة أنحاء العالم، وهذا الصحيح لا ريب، ولكن الواضح أنه لا توجد دولة في العالم تمارسه بهذه الكثافة والاستمرارية غير مصر، فنادرًا ما يسمع المرء في وسائل الإعلام عن عمليات اعتقال بشكل شبه يومي وبأعداد كبيرة غير في مصر، وهذا يجعل من الأهمية بمكان لكل معارض للنظام المصري أو مطالب بالإصلاح، أن يتهيأ نفسيًّا وإيمانيًّا لجعل السجن جزءًا من حياته، فنحن والحمد لله على كل حال، لدينا منذ أكثر من سبعة آلاف سنة سجونًا ومعتقلات!!.
ثانيًا: الحبس الاحتياطي كان واضحًا كذلك في (التهمة الملفقة) التي ادّعتها امرأة العزيز بحق سيدنا يوسف باتهامه بمحاولة الاعتداء عليها، لكن حين شهد شاهد من أهلها بناءً على تحقيق جنائي موضوعي ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27)﴾ (يوسف)، تم إخلاء سبيله من أول عرض على جهة التحقيق (النيابة حاليًا)، وهذا هو الحاصل الآن مع آلاف المعتقلين من الإخوان أو غيرهم، تهم ملفقة، سرعان ما تنتهي بإخلاء السبيل من النيابة، لكن الملاحظ كذلك أن التحقيق قد حفظ!!، فامرأة العزيز قد ثبت بالتحقيق أنها هي التي حاولت تحريض سيدنا يوسف على ارتكاب الفاحشة وتأكد الجميع من ذلك، لكن حفظ التحقيق بناء على تعليمات عليا، حفاظًا على سمعة النظام الحاكم!!.
ثالثًا: عندما فشلت امرأة العزيز في حبسه بناءً على تحقيق نزيه، واستمرت مكائدها الشيطانية له، شعر النظام الحاكم بالخطر، فلجأ لإصدار أمر اعتقال له بعيدًا عن القضاء الذي أنصفه!!- كما يحدث الآن- اقرأ الآية الكريمة ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)﴾ (يوسف)، من الذين بدا (لهم)، إنه النظام الحاكم!!، ما الذي بدا له؟! أن يعتقلوه بدون تحقيق بعد أن برأ القضاء ساحته!!، ثم لاحظ معي (حتى حين) يعني اعتقالاً مفتوحًا، وليس لأمد معلوم!!، كما يحدث الآن كذلك!!.
والعجيب في الآية أن الاعتقال حدث عندما تحولت قضية سيدنا يوسف إلى قضية رأي عام- ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ (يوسف: من الآية 30)- شغلت بعض شرائح المجتمع المصري واستهجن فعلتها ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (يوسف: من الآية 30)، مما قد يكون له تأثير على استقرار النظام، لذلك اعتقل الطرف الأضعف والمظلوم، لكنه المؤثر في الرأي العام، الذي يعمل له نظام الحكم ألف حساب وقتها والآن، لذلك الخطر الأحمر لدى النظام أن يتحول المعارض أو المصلح إلى شخصية جماهيرية ذات شعبية، عندها فقط يجن جنونه.
رابعًا: لاحظ معي كذلك قوله تعالى ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ (يوسف: من الآية 36)، الإشارة الأولى في هذه الآية الكريمة تفيد أن اعتقال الشباب صغار السن كان أمرًا اعتياديًّا في ذلك الوقت- اعتقل العشرات من طلبة الجامعات في الفترة الماضية لنصرتهم المسجد الأقصى- كما تلاحظ أنه يفهم من الآية أنهم (دخلوا) السجن معًا، يعني كانت (ترحيلة) واحدة!! بمقاييس زماننا هذا، ثم أنهم حبسوا معًا، يعني لم يكن حبسًا انفراديًّا!!.
خامسًا: تأمل معي قوله تعالى ﴿قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا﴾ (يوسف: من الآية 37)، يعني كان يُصرف لهم طعام أو ما يطلق عليه في عرف السجون حاليًا (التعيين)!!.
سادسًا: ثم تأمل قوله تعالى ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ (يوسف: من الآية 42)، تفهم منها أن سيدنا يوسف قد شعر أنه قد نُسي في السجن، يعني اعتقلوه ثم نسوه كما يحدث اليوم لبعض المعتقلين!! ثم أنه لم يخرج من السجن- بعد أمر الله- إلا بدعم من أنصاره عندما ذكّر به الملك ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)﴾ (يوسف).
سابعًا: لو تتبعنا الموضوع في كتاب الله سرعان ما نجد أن منهج التعذيب واستعمال القسوة كان كذلك هو السمة الحاكمة في التعامل مع المعارضة اقرأ الآية ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)﴾ (طه).
هناك عشرات إن لم يكن المئات من الدروس والعبر التي حفلت بها السورة منها أن سيدنا يوسف ظل ثابتًا حتى النهاية على مبدئه ودعوته، فأخذ يدعو صاحبيه في السجن إلى الله، ورفض أن يخرج إلا بعد أن تبرأ ساحته، لكننا أخذنا منها فقط الإشارات القرآنية التي توصف بشكل دقيق الظروف الحالية التي يعيشها حاليًا المطالبون بالإصلاح في مصر، لكن أروع ما فيها أنها توضح لنا، أن هذا وحده هو طريق الأنبياء وأصحاب الدعوات، وأن العاقبة في النهاية للمتقين كما تقول الآية في نهاية القصة ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 90)، اللهم آمين.
1 Comment:
يمكننا ان نذكر ايضا قوله تعالى " وتلك الايام نداولها بين الناس " فما تذكرة بالفعل حقيقه واقعه ؛ الا وهى ان الايام دول بين الناس وان مامررنا به مر به غيرنا عبر العصور السابقه . انها فعلا سنه الله فى كونه.
Post a Comment