فى سبيل الله
نشر فى : إخوان أون لاين ، بر مصر ، نافذة مصر
بقلم / د ممدوح المنير
حين تتوالى عليك الأحداث الجسام ، و تذدحم أمامك عينيك مشاهد الظلم حين يطغى ، و الإستبداد حين يقوى و الخصومة حين تفجر ، و العدل حين يميل ، و يخذلك الصاحب و الأخ و الخليل ، قد يصيبك بعض المرار ، و تدمع عيناك ، و تغدو حزينا فى زمن الإنهيار ، ملتاعا فى عهد الإنكسار ، لكن إنتظر توقف ، إنها نقطة نظام .
هل جربت يوما أن تنظر لأعلى ؟! ، إلى ما فوق السحاب ، و فوق النجوم ، و فوق الفوق ذاته !! ، من تجد ؟! ، من ترى بعين قلبك ونور بصريتك ؟! ، إنه الله ، ما أروعها من كلمة ، إنها الكلمة التى تلخص لك الكون كله .. الله ، نعم تلخص لك كل شىء!! ، فكر فى كل موقف ، وفى كل حدث من الأحداث ، ألم أو أمل ، سعادة أم شقاء ، نور أم ظلام ، عدل أم ظلم ، حرية أم قيد ، نعم هى الكلمة الوحيدة التى تعنى كل شىء و غيرها لاشىء !! .
قد يقول أحدكم على رسلك ، هل هذا مقال وعظىّ أم سياسى ؟! ، أقول لك بلا مبالغة إنه لون من أصعب ألوان التحليل السياسىّ !! ، فالتحليل السياسى يفكك كاتبه المشهد من جميع زواياه و يحلل كل جزء على حدة ، ثم يبدأ فى إعادة تركيبه من جديد طبقا لرؤيته ، هنا قد يقول آخر حنانيك لقد صعبت علينا الأمر و لم نفهم مرادك ، أقول لك دعنى أوضح رؤيتى ، دعنا نفكك المشهد !! ثم نجمعه من جديد :
مشهد المجاهد المرابط فى البرد القارس ، فى عتمة الليل ، و هو يقاوم رغبة ملحة فى النوم اللذيذ و الفراش الوثير و الحضن الدافىء لماذا ؟! إنه الله !.
مشهد المرابطون فى باحات الأقصى و العدو يضربهم بالحديد و النار ، يمنعهم الطعام و الشراب ، يدافعون بصدورهم العارية ، و أحذيتم البالية !! عن الأقصى الأسير تمضى الساعات طويلة و لكنها خفيفة !! لماذا ؟! إنه الله .
مشهد المحاصرون فى غزة و هم يقاسون ألم الجوع ، و شح الدواء ، و خيانة الأخ و الصديق ، يعلموننا درس الحياة ، تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها !! ، و لأنهم أحرار فى سجنهم ، فقد عاشوا يتطلعون مثل شيخهم ياسين إلى السماء ، يفضلون الأباتشى مثله !! ، ما الذى صنع هذا الإباء النبيل ؟! إنه الله .
مشهد الأخ المجاهد حين يمشى فى تظاهره دفاعا عن المقدسات و الأعراض و يقف أمامه جندى من جنود الفراعين ، يقطع عليه الطريق و تلتقى العينان و ينعقد الحاجبان و يستعد الجندى للضرب أو للإعتقال من الذى صنع هذا المشهد و هذا التحدى ؟! إنه الله .
مشهد المجاهد حين يكون آمنا مطمئنا بين زوجه و أولاده فى عتمة الليل البهيم و قد سكن كل شىء ، يجد فجأة من يقتحم عليه داره و ينتهك حرماته و يروع أطفاله ، و يسرق ماله !! ، فيساق المجاهد وسط دموعه أطفاله الذاهلة و صرخات زوجته المكلومة لماذا كل هذا ؟!! إنه الله .
مشهد المجاهد الأسير فى سجون الظالمين أو المحتلين و هو يجلس فى زنزانة حقيرة لا تصلح إلا للعبيد ، ينام على الأرض و يلتحف السماء ، يأكل ما تجود به نفوس الظالمين التى هى بلا جود ، يعيش فى زنزانته و تعيش فيه !! ، ويمضى به الحال هكذا ايام و شهور و بضع سنين و ربما عشرات السنين !! لما كل هذا التعب و هذا العناء .. إنه الله .
مشهد المجاهد حين يصلبوه و أسمى آيات العذاب يسوموه ، فترتفع آلامه فوق صرخاته و زبانية الجحيم من حول يتناوبون عليه فى شماته لا تخلو من حقد و من قسوة لا تخلو من كراهية ، و هو صابر محتسب صامد ، يالله لما كل هذا العذاب ؟! .... إنه الله .
مشهد الأم و الزوجة و الأخت حين يغيب عنها فلذات أكبادها و أحبتها خلف الأسوار أو تحت تراب النضال ، فتعيش المعاناة فى داخلها أو تعيش هى فيها !! ، تعلم صغارها أن الأسر ثأر ، و أن العار نار ، و أن النصر صبر ، و أن الذل إندثار ، ، لماذا كل هذا ؟! إنه الله .
جمع أجزاء المشهد و أبحث عن الرابط المشترك ، لن تجد أمامك إلا الله ، حين يكون هو الغاية و هو المنتهى ، عندها فقط يهون كل شىء ، تنمحى الأحداث و التفاصيل و تدرك أن المدبر و الفاعل الحقيقى هو الله ، حينها يتلذذ الجريح بجراحه ، و المعذب بآلامه ، و الجائع بجوعه ، عندها فقط يصبح الموت حياة !! ، و الزنزانة فلاة !! ، و الحصار إنتصار ، و الرباط إرتباط بأعظم ما فى الحياة ..... إنه الله .
2 Comments:
لقد ذكرتنى هذه المقاله بمقوله : ما اشقاك إلا ليسعدك وما اخذ منك إلا ليعطيلك وما حرمك إلا ليتفضل عليك لكنه ما كان ليؤذيك ذلك هو الرحمن الرحيم: عندما تشعر بالالم تاكد ان بعده فرح وفرج .. والله انها اعظم نعمه ينعم بها الله على الانسان ان يكون الله عنده اغلى واعلى من كل شئ يفكر ويعمل بالله وفى الله يشعر ان قلبه مطمئن دائما يشتاق الى رؤياه يشعر انه طائر فى السماء انه مالك للدنيا وانه لاشئ يفرق معه طالما انه مع الله.
اللهم ادم علينا نعمه حبك وحب من احبك وحب عمل يقربنا الى حبك ....قولوا امين
جزاك الله خيرا دكتورنا الكريم على هذه المشاهد التى تحمل اسمى معانى الاخلاص ..
ياللــه ،،
كم هى كلمات رقراقة وحادة فى نفس الوقت ..
رقيقة فى معانيها ،،حادة فى وقوعها على نفس القارىء عندما يقارن نفسه بهؤلاء..
عندما ننظر لهؤلاء نرى
مشاهد لأنفس عقدت مع ربها صفقة وتنتظر الربح .. ألا وهو جنة الخلود،،
وعندما ننظر لما حولنا الا من رحم ربنا نرى
مشاهد لأنفس انساقت وراء اهوائها وعقدت صفقة مع شياطينها.وتتغافل عما تكون نهاية ذلك ..
"اللهم لا تجعلنا ممن ضل سعيهم فى الحياة وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.واجعلنا اللهم ممن يحبوك فتحبهم فتجعل جنة الفردوس مستقرا لهم "
ونقول لاخواننا المجاهدين والمرابطين فى أرجاء الأقصى الحبيب ،،
"فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ"
ولاخواننا المجاهدين هنا ،،
{وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً"
تحياتى ..
Post a Comment