قصتى مع السرير !!
بقلم / د ممدوح المنير *
نشر فى : اخوان اون لاين ، نافذة مصر
الملاحظ أنه خلال الفترة الماضية ، إزداد حجم بطش النظام بمعارضيه ، مع توقع أن يستمر – البطش - خلال الفترة المقبلة أيضا ، كنتيجة للحراك السياسى الذى تمر به مصر حاليا و الذى يأتى بدوره فى لحظة فارقة فى تاريخها الحديث .
ما أعنيه بالبطش هنا هو إزدياد القسوة الأمنية فى قمع المعارضة بكافة أشكالها فأصبح الضرب و السحل و هتك العرض و التعذيب من الأمور الإعتيادية الحاصلة فى التعامل مع المعارضة و تزداد هذه القسوة حين يكون المعارض محسوب على جماعة الإخوان المسلمين ، حينها تتضاعف حجم المعاناة الممارسة من قبل النظام تجاه من يقع تحت يدها منهم .
و إذا عددنا فقط بعض الحوادث خلال الفترة الماضية للتدليل على هذا الطرح سرعان ما نجد أن الألفاظ التى إستخدمتها للتعبير عن حقيقة الوضع هى ( مهذبة ) و أن الوضع أسوء بكثير مما يحتمله اللفظ .
على سبيل المثال
1) اختطاف و تعذيب واعتداء جنسي بحق 11 طالب اخوان بكلية الهندسة بمنوف ، بتاريخ 30 / 3 / 2010 .
2) الإعتداء على بعض بنات و نساء الإخوان فى فى أكثر من مكان أثناء مداهمات و احتكاكات بالأجهزة الأمنية ، كان آخرها اعتداء قائد حرس إحدى الكليات علي الطالبة الاخوانية بسمة محمود بعجر وتمزيق حجابها واحداث بعض الكدمات في يدها اليسري .
3) اشتباكات وضرب وتعذيب واعتقالات عشوائية بالجملة للإخوان أثناء هبّات نصرة الأقصى و فى يوم 6 إبريل الماضى (2010 ) لكافة الناشطين من جميع الإتجاهات .
4) اختطاف الطالب طارق محمد محمود خضر - كلية العلوم جامعة الإسكندرية - من داخل كليته ظهر يوم السبت الموافق 27 -3 بواسطة الأمن بالكلية منذ نحو ثلاثة أسابيع و لم يظهر حتى الآن .
حين تقرأ هذه الحوادث و غيرها الكثير ، سرعان ما ينتابك شعور بالغضب أو الضيق من هذه الممارسات ، و قد ينتابك و يسيطر عليك الخوف من أن يحدث لك أو لشخص عزيز عليك ما حدث لهؤلاء .
و الذى أريد أن أقوله هنا أن سياسة ( الخوف ) هى السياسة التى يحاول النظام فرضها على الجميع حتى يشعر المتابع لهذه الأخبار بالفزع و الرعب و ينزوى أكثر على ذاته ، لذلك لعلى لا أكون مبالغا إذا قلت ، أن النظام قد يحرص أحيانا على ( نشر ) هذه الأخبار حتى يثبت مشاعر ( الرعب و الفزع ) لديك ، فتصاب بشلل فى التفكير و الحركة ، و بهذا يكون النظام قد نجح فى بسط سيطرته على العقول .
و حتى يستطيع المرأ أن يتجاوز و يقاوم هذا التأثير النفسى السلبى المراد له ، فلا يوجد من علاج ناجع مثل حسن الصلة بالله :
أولا : لأنه علاج حقيقى و ناجع و مجرب مئة بالمائة و هناك آلاف الشواهد من الحياة التى تؤكد على هذا المعنى .
ثانيا : لأنه قادر على تحويل هذه المشاعر السلبية التى يراد فرضها عليك إلى مشاعر إيجابية مثل رفض هذه الممارسات و فضحها و العمل على إنهاء السياسات المسببة لها من خلال النضال السلمى المشروع بكافة أشكاله و ألوانه .
ثالثا : لأنه قادر على قلب الكفة لصالحك ، لأنك بحسن صلتك بالله تكون قد إرتكنت إلى ركن شديد فهو و حده النافع الضار و المعز و المذل فلا يصير فى ملك الله إلا ما يريده الله ، فالله يقول فى كتابه { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } فالضار هو الله و ليس النظام أو الأمن فما هما إلا أدوات لتنفيذ قدر الله الغالب ، و لكنه لا يضرّك إلا لينفعك فى الدنيا أو الآخرة ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الحديث الصحيح لسيدنا عبدالله بن عباس و هو رديفه
(( احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك , وإن اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك )) .
تحكى لنا السيرة النبوية مشهد من المشاهد الذى كثيرا ما يستدعيه المرأ من الذاكرة حين يشعر بقسوة الواقع من حوله ، ويزداد حجم بطش النظام بمعارضيه ، فى غزوة مؤته كما يروى ابن اسحاق (( ولما أصيب القوم قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فيما بلغني: " أخذ زيد بن حارثة الراية فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً " ؛ قال: ثم صمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تغيرت وجوه الأنصار، وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال: " ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً "؛ ثم قال: " لقد رفعوا إلىّ في الجنة، فيما يرى النائم، على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً- ميلا - عن سريري صاحبيه فقلت:
" عم هذا ؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد، ثم مضى )) .
لقد تردد سيدنا عبدالله بن رواحه بضع لحظات ، تردد وهو فى الميدان و هو يحمل الراية ، لم يتردد و هو ينام على فراشه الوثير أو فى مسكنه الجميل أو وسط تجارته و أبناءه ، لقد تردد فى الميدان و هو ينافح و يناضل فى سبيل رفعة الإسلام و إقامة الحق و العدل و الحرية .
يالله تردد لحظة ، فكان سريره فى الجنة مائلا لأسفل عن سرير صاحبيه الكريمين !! ، لم يشفع له كونه من الصحابة ، لم يشفع له أنه مقبل غير مدبر ، لم يشفع له أنه مات شهيدا فى سبيل الله ، نعم لقد دخل رضى الله عنه الجنة و فى أعلى درجاتها ، لكنه تردد لحظة من الزمن ، فكان الميل فى سريره ، فبقدر ترددك يكون ميل سريرك فى الجنة و كلما زاد التردد زاد الميل .
أمامى وأمامك الخيار إما أن تحسم موقفك و تختار أن تكون خانعا جبانا سلبيا ترضى بالدون و يملأ الخوف قلبك و عندها لا تهتم بمقدار ميل سريرك فى الجنة ، بل إحمل همّ إذا كنت ستدخل الجنة أم لا ، أو تختار طريق الأنبياء و أصحاب الدعوات و المصلحين فى كل عصر و مصر ، حينها فقط سيحدوك الأمل فى أن يكون لك سرير فى الجنة و بقدر عزمك تكون درجة ميلك !! ، اللهم ارزقنا العزيمة فى الأمر و نسألك الثبات حتى الممات ، قل آمين .
* كاتب و باحث