مصر و إسرائيل الحب الحرام !!
بقلم / د ممدوح المنير *
نشر فى : اخوان أون لاين ، نافذة مصر ، بر مصر ، الشعب
حين تتأمل ما يحدث بين النظام المصري و إسرائيل في الآونة الأخيرة ، سرعان ما ينتابك قدر كبير من الدهشة التي تبعث على المرار ، و التعجب الذي يدعو للريبة ، و الشك الذي يملأ نفسك بسىّء الظن .
إننا أمام حالة ( حب ) مصري تجاه إسرائيل ، و العجيب أنه حب من طرف واحد !! ، و كأن مصر قد رفعت شعار
( ما محبة إلا بعد عداوة ) أو أنه تطبيق في غير موضع للآية الكريمة التي تقول ( فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم ) فصلت من الآية 34!! .
تأمل معي هذه الجملة من المواقف المتتالية والتى حدثت خلال فترة قصيرة من الزمن لتعرف الحال الذي وصلنا إليه:
1) الرئيس المصري هنأ الحكومة الإسرائيلية و الشعب الإسرائيلي بذكرى ( استقلال دولة إسرائيل !! ) و التي هي ذكرى نكبة فلسطين في 48 !! .
2) الحكومة المصرية تفرج عن متسللين إسرائيليين إلى أرض سيناء بعضهم مسلح و تعيدهم إلى إسرائيل آمنين سالمين دون محاكمة ، في حين أنها حكمت – عسكريا - بالسجن على مصريين تسللوا إلى قطاع غزة للتضامن مع أهل القطاع ( الأستاذ مجدي حسين الأمين العام لحزب العمل المصري نموذجا ).
3) اتفاقية الغاز التي تمد بموجبها مصر إسرائيل بالغاز المصري بأقل من السعر العالمي بنحو عشرة أضعاف على الأقل و تخسر مصر يوميا يسبب ذلك 55 مليار جنيه من أجل عيون إسرائيل ، في حين أن حرب أنابيب الغاز تشتعل في مصر ، بل سقط أول قتيل مصري من أجل أنبوبة الغاز !! .
4) دعم مصر لموقف إسرائيل الذي يقضى بالدخول في مفاوضات غير مباشر مع السلطة الفلسطينية دون
وقف الاستيطان و دون شروط مسبقة !! ، رغم الفشل الذريع لعشرات المفاوضات المباشرة .
5 ) الأحكام القاسية التي صدرت بحق المتهمين فيما عرف ( بخلية حزب الله ) و التي كانت مجمل أهدافهم هي دعم الشعب الفلسطيني ، و قال حينها المحللون أن الخلية قد تكون أخطأت
( قانونيا ) بالعمل بغير غطاء شرعي في مصر و لكنها أحسنت ( سياسيا ) في دعمها للشعب الفلسطيني الذي هو واجب الجميع .
6 ) زيارة نتنياهو الأخيرة للقاهرة بعد تعافى الرئيس المصري من وعكته الصحية و التي قالت الصحف العبرية بأن ( الترحيب ) المصري بالزيارة كان ( رائعا !!) ، في حين تتلكأ مصر في استضافة الرئيس السوري الذي أراد أن يزور الرئيس مبارك لتهنئته بسلامته .
7 ) بناء الجدار الفولاذي على الحدود مع قطاع غزة للمساهمة في خنق كلى للقطاع المحاصر ، مع تسميم الأنفاق لقتل العاملين بها ، كما حدث مؤخرا و قتل أربعة أشخاص بالغاز السام داخل أحد الأنفاق ، مما يصب في النهاية في صالح إسرائيل .
8 ) ترميم المعبد اليهودي – موسى بن ميمون - في القاهرة على نفقة الحكومة المصرية ( 2 مليون دولار ) رغم عدم وجود يهود مصريين ، و رغم أن الآثار الإسلامية تتهاوى بفعل الإهمال المتعمد !! من جانب الحكومة .
لك أن تتخيل أن هذا هو الشق المعلن من المواقف ، أما الشق الغاطس الذي قد لا يعلمه الكثيرين فحدث و لا حرج ، مما يجعلنا نطرح تساؤلا مشروعا عن سبب هذه العلاقة العجيبة المريبة بين النظام المصري و إسرائيل ، و التي تجاوزت كل حدود اللياقة و القيافة المطلوبة و خاصة أن مخزون الكراهية لإسرائيل لا يزال مرتفعا بين أبناء الشعب المصري و العربي ، ليس هذا فحسب بل قيام إسرائيل بأدوار مشبوهة في تحجيم الدور المصري على الصعيدي العربي و الدولي و تهديد الأمن القومي المصري مباشرة و دورها فى منابع النيل ليس منّا ببعيد .
حين تبحث عن السبب ، قد يتبادر إلى ذهنك أن ترتيبات و طموحات رجال السلطة في مصر و ما يلزمهم من تثبيت أركانهم من دعم أمريكي أوربي لا يتأتى إلا برضا إسرائيلي قد يكون السبب وراء هذا الانكفاء المصري تجاهل إسرائيل و هذا سبب له وجاهته بكل تأكيد .
أو قد يقول قائل إنها توابع اتفاقية كامب ديفيد و شروطها المعلنة و السرية وحتمية إلتزام مصر ببنودها ، لكنى أعتقد أن هذا أو ذلك لم يكن السبب المباشر فى هذا التحول المذهل فى العلاقة مع إسرائيل لدى النظام الحاكم من العدو اللدود إلى الصاحب الودود ، فى عملية إنقلاب على حقائق الواقع و التاريخ و المستقبل .
لكن فى إعتقادى أن السبب الحقيقى فيما يحدث هو نظرة مصر لنفسها أو قل إن شئت الدقة نظرة النظام المصري لمصر و طبيعة دورها ، ففي عهد عبد الناصر رغم كافة مثالبه إلا أن نظرته لمصر و مكانتها و دورها كان مرتفعا فارتفعت مصر إلى مستوى الأحداث و كانت حركتها و سكونها محط اهتمام العالم أجمع ، لكن حين انتقلت القيادة للسادات و أنشغل في بداية عهده بالتخلص من موروث سابقه على مستوى الأفكار و الشخوص .
بدأ حينها الدور المصري فى التراجع حتى قال السادات جملتيه الشهيرتين الأولى ( أن 99 % من أوراق اللعبة فى يد أمريكا ) و الثانية أن ( حرب أكتوبر هى آخر الحروب ) ، و ترجمت هذه الفكرة الساداتية إلى واقع و سلوك و منهاج و انتقلت مصر من مقام الندية و الاستعلاء فى علاقتها بالغير إلى مقام التبعية و الانزواء ، و اصبحت هاتين العبارتين هما الدستور الغير مكتوب للسياسية و الإستراتيجية المصرية والتزم النظام المصرى بعد السادات بتطبيقهما بإخلاص منقطع النظير ، فتم ترجمتهما إلى سياسات و آليات ظلت تخصم من رصيد مصر الداخلى و الخارجى ، حتى أصبح النظام المصرى يستمرأ السقوط و فى كل مرة يتنازل فيها كان يصعب عليه العودة إلى المربع الأول حتى خرج تماما من معادلة القوة و أصبح جزءا من معادلة الضعف لا لمصر و حدها و إنما كذلك للعالم العربى و الإسلامى .
* كاتب و باحث
0 Comments:
Post a Comment