إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح
بقلم: د. ممدوح المنير
نشر فى اخوان اون لاين ، نافذة مصر ، بر مصر
إنه موقفٌ من مواقف العظمة والإكبار والإجلال، وكأن الله في كل وقت وحين يأبى إلا أن يقيم علينا الحجة، فيُرينا من صنعة يديه رجالاً لا هم بملائكة ولا أنبياء، مهمَّتهم أن يضربوا لنا أروع المثل ويبقوا فينا طيب الأثر، ويُحيوا بمواقفهم مواتَ قلوبنا، ويخطبوا فينا خطبتهم البليغة بثباتهم وقوة إيمانهم ومضاء عزائمهم، لا يُرهبهم طغيان ظالم، ولا تكسرهم سجون القهر والاستبداد.
ثم لا تلبث أن تأسف على حالك حين تشعر أننا نحن الأسرى وهم الأحرار، لقد عرفوا السر الذي يعرفه الجميع، لكنهم ما إن عرفوه حتى فعلوه.. إنها سجدة الحرية!، نعم تلك السجدة التي ينخلع فيها العبد من كل أشكال العبودية لغير الله، عندها يتحرَّر من كل شيء ومن كل أسر، فتراه بعين البشر القاصرة خلف الأسوار فتأسى لحاله، وتراه بعين الله فتأسى لحالك!.
"فإنني أنا الشيخ حسن يوسف داود دار خليل وأهل بيتي (الزوجة والأبناء والبنات) نُعلن براءةً تامةً جامعةً ومانعةً من الذي كان ابنًا بكرًا، وهو المدعو "مصعب"، المغترب حاليًّا في أمريكا، متقربين إلى الله بذلك، وولاءً إلى الله ورسوله والمؤمنين".
ما إن قرأتها حتى شعرت بقشعريرة تجتاح جسدي رغمًا عنِّي!!.. عجيبٌ والله أمرك يا شيخ حسن!!.. "متقربين إلى الله بذلك، وولاءً إلى الله ورسوله والمؤمنين".
أيها الجبل الأشمّ.. هنيئًا لك القربى من الله ورسوله؛ إحسانًا بالله ظنًّا، ولا نزكِّيك على الله وهو حسيبك.
إن هذا الموقف النبيل من شيخنا المجاهد وأهل بيته لا بد أن نتلمَّس منه الدروس والعبر، ومنها
:
أولاً: أن رباط العقيدة والدين لا يعلوه رباط، ودونه يهون كل شيء، الأهل كل الأهل، والمال كل المال، والنفس كل النفس؛ ليصبح هذا الرباط وحده هو معيار الحب في الله والبغض في الله، لم يكن هذا الموقف من شيخنا الجليل إلا تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ فمنهم من قتل أباه ابتغاءَ مرضات الله، فهذا سيدنا أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي لقَّبه رسول الله صلى الله علية وآله وسلم بـ"القوي الأمين"؛ لأنه التقى والده الذي كان في صفوف الكفار في معركة بدر، وضربه بسيفه وقتله، قائلاً: "السماح السماح يا أبتاه.. لقد قتلت نفسك بيدي"!.
ثانيًا: أن الهداية والثبات منحةٌ من الله لعباده الصالحين، و"يُبتلى الرجل على قدر دينه"، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجب علينا أن نُحسن صلتنا بالله، وأن ندعوَه أن يثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
ثالثًا: يجب على حركة حماس أن تفتح تحقيقًا داخليًّا جديًّا؛ حول موضوع وجود عملاء محتملين بينها، رغم إدراكي بصعوبة ذلك البالغة، لكنَّ عِظَم المسئولية الملقاة على عاتق حماس يقتضي أن تأخذ الحركة بالغ الحذر.
رابعًا: لا يعيب حماس أن يكون بينها (عميل)، فلم يقُل أحدٌ بأن رجال الحركة ملائكةٌ منزلون من السماء، لكنَّهم بشرٌ كغيرهم، ويجوز في حقِّهم ما يجوز في غيرهم، غير أنهم من أنقى الناس سريرةً وثباتًا على الحق، والعبرة تُقاس بالكثرة المطلقة لا بالقلة المنحرفة التي تقترب من العدم.
خامسًا: لم تعلن حركة حماس على لسان أيٍّ من قيادتها أن مصعب كان كادرًا من كوادرها أو لا، غير أنه كان يعمل فقط في مجال العمل العام الذي يتسع للجميع، سواءٌ انتسبوا للحركة أم لا، وبالتالي لا يمكن اعتبار مصعب عضوًا تنظيميًّا في الحركة، رغم إيماني أن ذلك لا يعيب الحركة بأي حال من الأحوال.
سادسًا: المعلومات التي قال المدعو مصعب إنه حصل عليها- إن صحَّت- والتي نتج منها إفشاله العديد من عمليات الاغتيال بحق الصهاينة؛ تقتضي مراجعةً حازمةً لدولاب العمل الجهادي؛ حتى لا يحدث تسريبٌ للمعلومات يكلِّف الحركة كثيرًا، وأفضل قاعدة في هذا المجال (المعرفة على قدر الحاجة).
سابعًا: توقيت إذاعة الخبر واضحٌ منه أن "إسرائيل" تعاني ارتباكًا شديدًا بعد كشف ملابسات اغتيال الشهيد المبحوح، وأنها تحاول التغطية على فشلها الذريع بهذا التشويش المكشوف.
ثامنًا: قيام المدعو (مصعب) بالحديث بهذا الشكل عن خيانته وعمالته لـ"إسرائيل" دون تحفظات؛ يجعلني أشعر أن الرجل مشكوكٌ في سلامته العقلية!!، فالخائن أو العميل أكثر لحظات حياته رعبًا وتعاسةً تلك التي ينكشف فيها؛ لأنه يعرف جيدًا أنها نهايته عند الجميع، من يخونه ومن يخون من أجله (إسرائيل)، هذا عن العار الذي يلحق به حيًّا أو ميتًا؛ لذلك أعتبر أن حديثه إلى وسائل الإعلام بكل هذه الأريحية عن خيانته دليلٌ على عدم اتزانه النفسي والعقلي.
تاسعًا: عدم تسرُّع حماس في إعلان موقفها من المدعو مصعب واعتماد الردود الدبلوماسية، حتى تتبيَّن من صحة المعلومات المتداولة؛ أمرٌ يُحسَب للحركة، ويُعدُّ رقيًّا وسموًّا واحترامًا لمشاعر أبٍ مصابٍ في ولده أو من كان ولده، وبعد التبيُّن والتأكد جعلت الحركة الوالد الصابر هو من يعلن الموقف بتبرئه وأسرته من الابن الضالِّ.
عاشرًا: لم أجد أفضل من الآية الكريمة التي تلخِّص الموقف، والتي تحكي عن سيدنا نوح لمّا أراد أن ينقذ ولده من الغرق في الطوفان عقابًا من الله له على كفره، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43) (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)﴾ فكان القانون السماوي: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46)﴾ (هود).
اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، اللهم آمين.
1 Comment:
السلام عليكم
د ممدوح تحياتي لك فعلا الحق ظهر الحمد لله
احيي هذا الاب المجاهد الذى تبرأ من وله الخائن الذى ادلي بخيانته امام الاشهاد كأن الذى قام به يستحق عليه الثناء والاحترام
فعلا ينطبق عليه الاية الكريمةالتي ذكرتها
تقبل تحياتي
ويبقي التواصل
Post a Comment