لا شىء و كل شىء !!
نشر فى : المركز الفلسطينى للإعلام ، نافذة مصر ، بر مصر ، الشرقية أون لاين
د ممدوح المنير
ذكرتنى الأحداث الإجرامية الأخيرة التى قامت بها قوات الإحتلال الصهيونية ضد الحرم القدسى الشريف بالفيلم الأمريكى ( مملكة السماء ) و الذى تم إنتاجه فى عام (2005 ) للمخرج البريطاني الأصل ( سير ريدلي سكوت)
الفيلم الذى اعتقد البسطاءٌ من العرب والمسلمين أنه يعاملهم بشيء من الحيادية ، أو بشكل أقل سوءاً من الصورة النمطية للعرب والمسلمين في هوليود. لكن لا أدرى لماذا لم أشعر بالكثير من الراحة من توقيت عرض الفيلم مدبلجا بالعربية بالتزامن مع الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى مطلع شهر المنصرم ( أكتوبر ) و التى تتكررت هذه الأيام من جديد تمهيدا لتقسيمه بين اليهود و المسلمين كما حدث مع الحرم الإبراهيمى الشريف .
الفيلم حافل بالمشاهد التى تروج لوجهة النظر الغربية و الإسرائيلية فى الصراع على المدينة المقدسة ، و التى يحتاج كل مشهد منها إلى مقالة مستقلة تفند هذه المزاعم ، لكن هذه المشاهد تظل مطمورة كالسم فى العسل وسط الإبهار الفنى الذى أمتع به المخرج مشاهديه .
فالفيلم يروج للأسطورة اليهودية التى خدعوا بها العالم و لا زالوا من وجود هيكلهم المزعوم تحت المسجد الأقصى مما يوجد مبرر لما يفعله الصهاينة اليوم ، تحت و فوق و داخل المسجد الأقصى .
كما يميّع الفيلم بشكل مدهش الوازع الدينى لدى الجيش المسلم ، فيجعل من عدم قيام الجيش الإسلامى بالتنكيل بالصليبيين فى القدس كما فعلوا هم عند إحتلالها مرده إلى خضوع صلاح الدين ( المنتصر) لشرط بطل الفيلم "باليان أبلين" قائد حامية القدس ( المنهزم ) بألا يتعرض لأهلها و إلا لن يسلمها له !! ، فرد عليه صلاح الدين عندما إشترط عليه ذلك قائلا ( أنا صلاح الدين ، أنا صلاح الدين ) و كأن السلام الذى نعم المسيحيون و اليهود به فى القدس يرجع إلى نبل صلاح الدين فحسب و ليس لأن تعاليم الإسلام ترفض ذلك .
لكن ما لفت إنتباهى هو المشهد الأخير حين يجري حوار بعد معركة حطين بين "باليان أبلين" قائد حامية القدس و الناصر صلاح الدين ( الممثل غسان مسعود ) حين يقول – صلاح الدين - لباليان : "مدينتكم" أو "مدينتكم كذا... مدينتكم Your city" عن القدس، مما يسرب لعقل المشاهد أن الفرنجة هم أهل القدس الأصليين و المسلمون هم الغزاة المحتلون الطارئون عليها .
و هذا الأمر هو نفس ما يحاوله الإسرائيليون الآن من فرض الأمر الواقع داخل المدينة المقدسة مع التزييف المستمر للتاريخ و الحاضر و المستقبل ، و يكفى للتدليل على ذلك الإستطلاع الأخير الذى أذاعته وسائل الإعلام عن أن غالبية الشعب الأمريكى يتبنى المواقف الإسرائيلية ، بالطبع تساور المرء الشكوك حول نتائج هذا الإستطلاع حيث يستشعر المرء وجود يد خفية صهيونية ، تزيف وعى المواطن الأمريكى و الغربى كما زيّفت التاريخ .
ثم يسأل باليان الصليبى صلاح الدين الأيوبي أثناء تسليمه المدينة المقدسة : "ما هي قيمة القدس؟"، فيجيب صلاح الدين: " لا شي !"، وهو يسير مبتعداً ، ثم يلتف إليه مضيفا و هو يشير بإصبعه إلى نفسه – صلاح الدين - : " و كل شيء ! ". هذه الإشارة الخبيثة توضح مدى الرسائل المسمومة التى يحملها الفيلم ، و كأن كاتب السيناريو و المخرج أراد أن يوصل للمشاهد الغربى أن المدينة المباركة ليس لها قيمة حقيقة لدى العرب و المسلمين و لكنهم يضحون فى سبيلها فقط من أجل إسترداد الشرف و الكرامة التى أهينت بإحتلالها من قبل الفرنجة .
فى حين حرص المخرج طيلة أحداث الفيلم على إبراز التضحيات الهائلة التى قام الصليبيين فى سبيل الحفاظ على المدينة مملكة الرب !! والتى تعنى لهم كل شىء فى حين أنها لا تعنى أى شىء لصلاح الدين أو للمسلمين !! .
إن التاريخ الحقيقى المكتوب بالدماء و الدموع يعلمنا أن المدينة المقدسة و مسجدها المبارك كانت دائما هى النقطة الحرجة التى يستفيق عليها المسلمون من ثباتهم العميق فى عصور إنحطاطهم و تخلفهم الحضارى كما نحن الآن .
إن التضحيات التى يبذلها المقدسيون فى سبيل الحفاظ على مسجدهم و أرضهم و ملايين الدولارات التى يرفضونها فى مقابل شراء منازلهم أو أمتار قليلة من أراضيهم ، كلها دليل حى عن أن فلسطين و القدس تعنى لهم و لنا كل شىء و من أجلها يهون كل شىء يا باليان و يا نتياهو و يا أوباما .الأربعاء، ٤ نوفمبر ٢٠٠٩
Subscribe to:
تعليقات الرسالة (Atom)
1 Comment:
احسنت يا أخي
Post a Comment