مذكرات 6
إبريل 2008 م ( 1 – 3 )
شهادة لله ... و للوطن ..... و للتاريخ
بقلم / د
ممدوح المنير *
غدا السبت تحتفل حركة 6 إبريل بذكرى تأسيسها فى
2008 م ، و هى الذكرى التى أعتبرتها الحركة يوما للغضب ضد الرئيس مرسى و جماعته ،
و بغض النظر عن حجم الإتفاق و الإختلاف مع الحركة ، إلا أنه من الواجب فى هذه
الذكرى أن نسجل هذه الشهادة التى لن تنسى أبدا من حياتى .
كان أول ما ناقشه برلمان الثورة - الذى تم حله لاحقا - هو حق المصابين و الشهداء فى ثورة 25 يناير ،
و عقدت عدة جلسات تابعها الجميع باهتمام ، و غم إداركى و إيمانى العميق بضرورة
تكريم هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن إلا أننى شعرت بغصة فى حلقة
، لأن إختصار النضال المصرى من أجل الحرية و الكرامة و العدالة لا يمكن إختصاره
بأى حال من الأحوال فى ثورة يناير و ما تلاها ، إنها قصة كفاح شعب عبر عشرات
السنين بذل خلالها الكثير من الدماء و آهات الألم و تنهدات الأمل فى سبيل ان نحيا
كراما
إن المصابين و الشهداء و المعتقلين فى 6 إبريل
2008م وما قبل 6 ابريل و ما بعدها يجب أن
يأخذوا حقهم ، كما نطالب الآن لمصابى و شهداء 25 يناير ، بل إنى أعتقد أن المحلة
فى 6 ابريل كانت البداية الحقيقية للثورة المصرية بل كانت أول ثورة فى مصر و
العالم العربى منذ عقود طويلة ضد مبارك طاغية هذا العصر ، حيث نالت شرف إسقاط أول
صورة ضخمة للرئيس المخلوع مبارك و تمزيقها و وطئها بالأقدام أمام عدسات الكاميرات ، بل كانت
المحلة الكبرى هى أول من نادت بسقوط مبارك حيث كانت الهتاف الذى يرج أرجاء المدينة
يسقط يسقط حسنى مبارك .
المذكرات شهادة للتاريخ
و أحب أن أوضح بداية أن الهدف من نشر هذه
المذكرات هو رد الجميل إلى أهله حتى لا ينساهم التاريخ ، فهذه الأحداث اعتقل وقتها
أكثر من الف معتقل ، ثم أفرج عنهم بعد نحو شهر من الحبس بعد أن تأكدت النيابة ألا وجه
لإقامة الدعوى عليهم لأنعدام الأدلة .
ثم قامت مباحث أمن الدولة فى الغربية بإعتقال
100 معتقل آخر بأدلة مفبركة و عذبتهم أيضا
للتوقيع على إعترافات ملفقة منهم ، ووجهت لهم تهمة تخريب المؤسسات العامة و الخاصة
و النهب و السرقة و الإعتداء على قوات الأمن و نحو ذلك من التهم المعروفة ، و قدم منهم
49 إلى محكمة إستثنائية تفقد أبسط قواعد العدالة قاد كتيبة الدفاع فيها المحامى
القدير أحمد حجازى ، وكان الحكم الجائر على
23 منهم بالحبس ثلاث سنوات و آخر بخمس سنوات دون إستئناف للحكم .
كما كان هناك أكثر من مئة مصاب ، بإصابات فى العين
حيث فقدوا جميعا أحد العيون أو العينين معا ، و حصل ثلاثون فرد منهم على أحكام قضائية
بالتعويض ضد وزير الداخلية و مدير الأمن وقتها و لم يصرف سوى لإثنين فقط حتى الآن.
وفاة الطفل أحمد مبروك
كما سقط ثلاثة شهداء هم الطفل احمد على مبروك الذى
مات فى احضان والده عندما أصابته رصاصة و هو فى شرفة منزله بين يديى والده ، و الشهيدان
احمد السيد النونو و رضا النجار .
و قد حصلوا هم أيضا على أحكام قضائية بتعويضات لم
يصرف منها شىء حتى الآن .
أكتب هذه المذكرات ايضا ليعلم الجميع أن 6 إبريل
ليس حكرا على الحركة التى تحمل هذا الإسم و إنما هو حدث لأبناء مدينة المحلة ، و وحدهم لهم الحق فى الفخر به و أنهم أول من نادوا
بسقوط الطاغية الأكبر فى تاريخ مصر ، كما كتبتها للتأكيد على أن هناك بعض وسائل
الإعلام تحترف خداع الشعب و تضليله ، فعلى
الرغم مما تعرضت له فى اثناء اعتقالى ، و رغم أن كثير من وسائل الإعلام كنت مصدرها
الرئيسى فى تغطية الأحداث إلا أننى لم أجد منها أى شكل من أشكال التضامن فى حالة
جحود و نفعية لا مثيل لها لا لسبب غير أنى محسوب على احد التيارات الإسلامية
المغضوب عليها من وسائل الإعلام .
بداية
إضراب شركة مصر للغزل و النسيج
كانت البداية حين أعلن عمال شركة مصر للغزل و
النسيج بالمحلة الكبرى إضرابهم عن العمل فى هذا اليوم احتجاجا عن تردى أوضاعهم و
الفساد المستشرى داخل واحدة من أكبر المؤسسات صناعة النسيج فى الشرق الأوسط .
و نتيجة لهذه الدعوة لللإضراب أعلنت مجموعات من
الشباب عبر الفيس بوك التضامن مع عمال شركة المحلة و جعل الإضراب فى مصر كلها ضد
نظام مبارك ، و تصدر هؤلاء وقتها إسراء عبدالفتاح الناشطة السياسية عبر الجروب
الذى أنشأته خصيصا لذلك ، و أحمد ماهر الذى أسس هو و مجموعه من الناشطين حركة 6
إبريل كحركة شبابية معارضة ، و هى الحركة التى يثار الكثير من الجدل عليها الآن .
لقى هذا اليوم زخم إعلامى هائل و ترقب أمنى غير
مسبوق و تحولت مدينة المحلة إلى ثكنة عسكرية كبيرة بكل ما تعنيه الكلمة ، حيث
تواجد بها أكثر من 400 عربة مصفحة و ناقلات جنود ، و أعلنت جماعة الإخوان المسلمين
وقتها أنها لن تشارك فى الإضراب كجماعة و لكنها لن تمنع من يريد المشاركة فى
الإضراب من الشباب أن يشارك أو العمال المحسوبين على الجماعة ، لا بحسبانهم من
الإخوان و لكن تضامنا مع زملائهم العمال المضربين .
و جاء اليوم
الموعود و شهد عدت فعاليات و وقفات
احتجاجية بسيطة فى القاهرة و عدة أماكن
أخرى ، و لم يشارك فى الإضراب فعليا سوى شريحة صغيرة تكاد لا تذكر ، فى حين كانت
معظم المدن المصرية تسير فيها الحياة بشكل طبيعى ، عدى مدينة المحلة الكبرى التى
كانت وقتها تتحرك خارج سياق الزمان و المكان لتصنع لنفسها ثورة شعبية هى الأولى من
نوعها ضد مبارك و نظامه .
إشتباكات عنيفة
كل ما كان يدور في ذهني وقتها أن الإضرابَ حال نجاحه
فى المحلة سيتمثل في خلو الشوارع من المارة وإغلاق المحلات أبوابها، ولكني فوجئت أثناء
توجهي إلى منزلي عصر يوم الأحد 6 أبريل أنى قد أصبحت بين طرفي كماشة كما يقولون، فأمامي
كانت قوات الأمن وخلفي كان المتظاهرون المنادين بسقوط مبارك متجهين نحو ميدان الشون
( ميدان الثورة ) بوسط المدينة ، و بدأت نذر الإشتباكات بين الطرفين تلوح فى الأفق
، ففضلتُ التوجهَ إلى أحد الأرصفة الجانبية حتى لا أُصاب من أحد الطرفين، وكان يتم
وقتها إطلاق قنابل غاز وأُصبت بإحداها ، فى حين يلقى المتظاهرين بالحجارة على قوات
الأمن ؛ لذا توجهتُ إلى إحدى العيادات الطبية الموجودة بميدان الشون وغسلتُ وجهي لأزيل
آثار قنبلة الغاز، وبدأت وسائل الإعلام في الاتصال بي للحصول على معلوماتٍ حول أحداث
المحلة غير المتوقعة، وتسبب غلق المدينة من كافة مداخلها في ضغطٍ إعلامي عليَّ و
وتم منع وسائل الإعلام من دخولها إلا من استطاع الإفلات بصعوبة .
وجدت الموقف يزداد سخونة ، و أحسست بأن هناك
مؤامرة تدبر ضد أبناء المحلة ، خاصة بعد أن وجدت مجموعات من البلطجية بدأت تندس
وسط المتظاهرين بشكل منظم ، كما أن عدد كبير من مجندى الأمن المركزى بدأ يرتدى هو
الآخر اللبس المدنى ، ثم يقومون بتخريب
الممتلكات العامة و السيارات الخاصة ، فشعرت بالقلق و أدركت أن النظام يريد أن
يشوه صورة الإحتجاجات و يقلب الطاولة على المحلاوية ، فشعرت بأهمية توثيق ما يحدث
حتى لا تضيع الحقيقة وسط هذه الخطة المحكمة من الأمن .
التغطية الإعلامية للحدث
اتصلت بالفريق الإعلامى الخاص بالإخوان فى
المحلة لتوثيق ما يحدث ،و بدأ نحو خمسة مصورين محترفين من شباب الإخوان بتجهيز كاميراتهم ، ثم طلبت منهم أن ينتشروا فى أماكن الإشتباكات لتوثيق الحدث ،
و فضح إجرام النظام بحق أبناء المحلة ، فوجدت منهم استجابة عالية و تضحية كبيرة من
أجل أن يلتقطوا الصورة التى تفضح النظام .
أخذت أبحث عن مكان أقوم فيه بإدارة عملية
التغطية الإعلامية لليوم ، حتى وجدت مقر شركة احد الإخوان بميدان الشون فاتصلت
به وسألته هل لديك وصلة نت جيدة فأجاب
بالإيجاب، كما وجدت أن المكتب يطل على ميدان الشون مسرح العمليات وقتها و
الإشتباكات فتوكلت على الله و توجهت إليه .
و كان عملية التغطية وقتها تتم بالشكل التالى ،
أخذت أكوّن شبكة إتصالات للإمداد بالمعلومات من كل من أعرفه بالمحلة ، فأتصل مثلا
بأحد معارفى فى منطقة محب و اسأله هل توجد إشتباكات أو تظاهرات لديك فيجيب بنعم
أو لا ، ثم أسأله هل هناك اصابات أو تخريب
للممتلكات الخاصة و العامة ثم أقوم بنقل هذه المعلومات إلى الصحفيين و وسائل
الإعلام التى كانت تمطرنى بتساؤلاتها ، ثم أقوم بالإتصال بالمصورين للتوجه للأماكن
المشتعلة و تغطية الحدث ، ثم أقوم بإرسال هذه الصور إلى الصحفيين و الإعلاميين
لنشرها ثم أقوم بنشرها على المدونة الخاصة بى .
كنت أظن وقتها أن هناك الكثيرين غيرى يقومون
بنقل الأخبار إلى وسائل الإعلام ، لكن ما أكتشفته بعد ذلك أنه بالفعل كان هناك
غيرى مثل كريم البحيرى على مدونته أيضا ، لكن كم الأخبار و سرعة نقلها و مصداقيتها
تفردت به مع فريقى الإعلامى ، مما جعل معظم وسائل الإعلام الشهيرة تعتمد بشكل
مباشر على ما أنقله لها من أخبار وصور ، حتى مقاطع الفيديو التى عرضت فى العاشرة
مساءا و القاهرة اليوم و الجزيرة و وكالة رويترز و البى بى سى و الدستور و البديل
بل حتى الأهرام الحكومية و غيرهم من وسائل
الإعلام كانت أيضا من تصوير الفريق الإعلامى للإخوان فى المحلة .
لقائى برئيس جهاز أمن الدولة
حينها
لذلك وجدت رئيس جهاز أمن الدولة فى الغربية
يقول لى نصا بعد الإفراج عنى ( إنت قلبت
الدنيا علينا ، إحنا عمالين نذيع أن الوضع مستقر و هادىء بالمحلة ، و أنت عمّال
تنشر إن الأجواء مشتعلة و تؤيد ذلك بالصور
ومقاطع الفيديو ، إنت عاوز تسخن باقى المحافظات كمان تعمل صورة ، دا إنت
اللى اتعمل فيك شوية !!! ) ، و كان تصريحه هذا ، بعد اعتراضى على التعذيب الوحشى
الذى تعرضت له على يد زبانية جهنم من ضباط أمن الدولة أثناء الإعتقال.
وفي ذلك اليوم- 6 إبريل - لم أستطع الذهاب للمنزل إلا بعد انتهاء
الأحداث تمامًا، وكان ذلك في منتصف الليل، وبعد أن قمنا بالتغطية الإعلامية بشكلٍ جيدٍ
مع تصوير أغلب الأحداث.
تخيلتُ إن الإضراب انتهى بانتهاء يوم 6 أبريل، ولكني
فوجئتُ بإحدى وكالات الأنباء تتصل بي ظهر اليوم الثانى ، وتتحدث عن معلوماتٍ تُفيد
بتجدد الاشتباكاتِ مرةً أخرى وتسألني عن صحةِ المعلومات؛ وبذلك وجدتُ نفسي وسط الحدث
من جديد، واتجهت إلى ميدان الشون مع الفريق الإعلامى للإخوان بالمحلة مرة أخرى و
تمركزوا بنفس مواقعهم وسط الاشتباكات المتصاعدة بشكلٍ عنيف و بشكل أكثر قوة من ذى قبل
، وقمنا باستكمال التغطية و كان أبرز ما
استطعنا تصويره هى صورة تمزيق ماكت كبير لحسنى مبارك و وطئه بالأقدام و هى الصور
التى نشرت صبيحة اعتقالى 8 ابريل فى معظم وسائل الإعلام فى صدر صفحاتهم الأول .
كما نشرت صورة مجندين من الأمن المركزى و هم
يقومون بتكسير زجاج سيارة مصفحة بكعوب البنادق لإتهام المتظاهرين بالإعتداء على
قوات الشرطة و تحطيم سياراتهم !! .
و حينها تأكدت أن هناك أمر يدبر بليل لأهالى
المحلة ، و وقتها بدأت حملة إعلامية شعواء تتهم الإخوان بالسعى لقلب نظام الحكم و
التحريض ضد السلطات و تشكيل مجموعات تخريبية ضد النظام ، واتهمت الحملة النائب سعد
الحسينى صراحة بالمسئولية عن ما يحدث بالمحلة .
و لم تأذن الشمس بالغروب إلا و وجدت المهندس سعد الحسينى يتصل بى و يخبرنى
بأن د عصام العريان سوف يتصل بك الآن ليسألك عما يحدث فى المحلة بعد أن ذاع عبر
وسائل الإعلام أن من يبث الأخبار بشكل حصرى من المحلة هو هو ممدوح و فعلا اتصل بى
د عصام العريان و طلب منى أن أكتب تقرير صحفى مفصل عن أحداث المحلة ، و قال أنه
سوف يسعى بنفسه لنشر عبر الصحف لتتضح الحقيقة التى يسعى النظام لإخفاءها .
بعد اتصال د العريان أدركت أن الموقف تصاعد بشكل
لم أتخيله أو أتوقعه ، و كنت حينها أظن أن ما أفعله هو عمل صحفى عادى ، لكنى فوجئت
أنه أصبح فاصلا و كاشفا لجريمة كبرى يرتكبها النظام و مؤامرة خطيرة تدبر للإخوان .
بدأت فى كتابة التقرير واتصلت بى معدة برنامج العاشرة
مساءا - مدام نشوى الحوفى - و طلبت منى الفيديوهات الخاصة باحداث المحلة ، فوافقت بشرط
أن يكون م سعد الحسينى عضو مجلس الشعب عن دائرة المحلة وقتها موجود فى استوديو البرنامج
للدفاع عن اهل المحلة و كشف جرائم الأمن ، فطلبت وقتا للتفاوض وانتظرنا نحو 6 ساعات
حتى أتصلت بى و اعلنت موافقتها ، و فعلت نفس الموضوع مع برنامج القاهرة اليوم ، و نحو
عشر فضائيات منها ما استطعنا جعل المهندس سعد يتواجد بنفسه أو باتصال تليفونى ، و نجحنا
بتوفيق الله حينها فى فضح النظام و تنكيله باهل المحلة وانقلب السحر على الساحر ، فبعد
ان كان الهدف التنكيل باهل المحلة عموما و التنكيل بجماعة الإخوان المسلمين خصوصا اصبح
النظام حينها فى موقف حرج للغاية ، حتى أن رئيس جهاز امن الدولة فى محافظة الغربية
استدعانى بعد الإفراج عنى و قال لى بالحرف الواحد ( انت كنت عاوز تعمل ثورة فى مصر
كلها ، احنا عمّالين نقول للإعلام الوضع فى المحلة مستقر هادىء و لا توجد احتجاجات
وانتى عمّال شغال على المدونة و الفضائيات بتقول ان المحلة مشتعلة ..... الخ ) .
-----
تصاعدت الأحداث بشكل كبير ، و حينها أدركت أننى
أصبحت هدف للإعتقال و أدرك من حولى ذلك و طالبونى بألا أبيت فى منزلى ، لكنى رفضت
و لم أدرى لماذا ؟! ، لكن أقدار الله إذا أتت لا تسأل لماذا و كان آخر خبر نشرته
عبر المدونة هو (وفاة صبى عمره 15 عاما على الفور بسبب اصابته بطلق ناري فى الرأس من
أحد الضباط ، وآخر فى الخد والفتى هو : أحمد على محمود حماد ، وهو الآن فى مشرحة القصر
العينى بالمحلة ووالده فى حالة انهيار تام ، جراء المواجهات بين المواطنين وقوات الأمن
فى أحداث أمس الإثنين بمدينة المحلة الكبرى )
.
و لم تمضى ساعتان على نشر الخبر و عودتى إلى
المنزل ، حتى وجدت من يطرق على الباب بقوة و ظننت أنى فى حلم ، فلم أتحرك من مكانى
، ثم زاد الطرق و كان وقتها قد أذن لصلاة الفجر ، فقمت فزعا و ايقظت والدتى و والدى و قلت لهما إن أمن
الدولة بالباب و بدأت الرحلة !!.
الوعد بخمس دقائق اعتقال !!
من عجائب هذه الزيارة الغير مرحب بها أن الضابط
المكلف باعتقالى قال لوالدتى التى كانت تتمالك نفسها بصعوبة ( متقلقيش ياحاجة خمس
دقائق و راجع ) ، و طبعا لم أعد سوى بعد سبعة أشهر !!! ، ثم فوجئت بجيش من القوات
الخاصة المدججة بالبنادق الآلية تتجه صوبى و صوب والدى و والدتى ، فنذرت لهم شذرا،
ثم
قاموا بتفتيش منزلي دون إذن تفتيش واستولوا
علي عدد من الكتب وهاتف نقال وجهاز الكمبيوتر الخاص بي و توجهوا بى بعدها إلى مباحث أمن الدولة بالمحلة؛ حيث تم حبسي بمفردي
وبدأ التحقيق معي عصر ذات اليوم بعدما وضع أفراد الشرطة عصابةً على عينيَّ مع تقييد
اليدين فلم أستطع رؤية مَن قام بالتحقيق معي، ولكني ميزتُ أن عددهم تجاوز عشرة أفراد.
قضيتُ هناك 21 يومًا، تحت تعذيبٍ مكثف، ورفض المحققون
طلبي لطبيب لتدهور حالتى الصحية نتيجة التعذيب لكنهم رفضوا ومنعوا زيارة أهلي الذين
كانوا يترددون على الجهاز يوميًّا للسؤال عني، وأفراد المباحث يصرون على نفي اعتقالي
بالمقر، وقولهم دائمًا "مش موجود عندنا".
في بداية دخول الزنزانة وضعوا عصابة علي عيني وقيدوني من الخلف وأجبروني علي
الوقوف لساعات طويلة في مواجهة الحائط ، بعد أربع أيام من اعتقالى وجدت الحراس
يأتون بمعتقل جديد هو محمد مرعى الناشط الحقوقى و الذى كانت تهمته أنه كان يترجم
لصحفى أمريكى جاء لتغطية الأحداث بعدها بيومين ، و كان تجاور الزنزانتين بداية
صحبة قوية بين مرعى الليبرالى و ممدوح الإخوانى .
فى الحلقة القادمة نتعرف على باقى القصة ، خاصة أن كل ما سبق لم يكن سوى
بداية الطريق إلى جهنم ( جهاز أمن الدولة ) .
خبير تنمية بشرية ( منظمة اليونيسكو الدولية )
كاتب و محلل السياسى