الاثنين، ٣١ مايو ٢٠١٠

عاوز أموّتكم !!!

عاوز أموّتكم !!!

بقلم / د ممدوح المنير


 نشر فى : اخوان أون لاين ، نافذة مصر ، بر مصر ، شبكة فلسطين للحوار


حين تتآكل الأخلاق و تنحدر القيم و تموت فى النفس كل معانى الإنسانية ، و يصبح الضمير أثرا بعد عين ، تتشكل أخلاق جديدة ،و قيم دنيئة ، تفرز سلوكيات تبعث على الدهشة و الحيرة ، يصبح معها الحليم حيران ، و يصيب العاقل بها مس من الجنون !! .

يتحول الإنسان  عندها  إلى وحش فى ثوب إنسان ، و أفعى سامة فى شكل جنتلمان !!! ،  فينشر الألم و المرار فيمن حوله، و يصطلى بشروره البشر و الحجر .

تداعت علىّ هذه المعانى و أنا أقرأ ما يحدث لإخواننا الفلسطينيين  على يد النظام المصرى ، بحيث تصبح ما تفعله إسرائيل بهم ( لعب عيال ) إذا ما قورن بما يفعله النظام بهم ،  بما لا يخطر على عقل بشر من صنوف التعذيب .

محمد إبراهيم البردويل ( 46 ) عاما صياد فلسطينى ، أب لثمانية من الأبناء ، يعمل بمهنة الصيد شاءت به الأقدار أن يحمله قاربه هو و إبنه محمد فى رحلة صيد إلى  المنطقة الفاصلة بين البحر عند رفح و مصر ، لكن عند العصر قام زورق مصرى بإرجاع مراكب الصيد الفلسطينية الكبيرة من حيث أتت و سمح للمراكب الصغيرة التى كانت إحداها للشهيد محمد إبراهيم البردويل  بالمرور و الصيد  حتى حل المساء و اقتربوا من الفجر فإذا بثلاث زوارق مصرية تنهال على مراكب  الصيد الصغيرة بالحجارة و الضرب  و سلب محتويات المراكب ، فجزع  جميع الصيادين و عادوا أدراجهم ، رغم أن السلطات المصرية هى التى سمحت لهم إبتداءا !! ، لكن الشهيد محمد البردويل أراد أن يتحدث مع الضابط المصرى  بلغة الأخ و الشقيق فقال له فى أدب (( عوزين إنروح يا سيدى )) فأجابه الضابط (( و أنا عاوز أموّتكم )) !!!

فشعر عندها الشهيد محمد البردويل بالخطر فحاول الهرب ، لكن الزورق المصرى - رقم ( 94 ) -  باغتهم فدهس بالزورق الشهيد و قاربه ومات من فوره ، و عندما صرخ الإبن لوعة واحتجاجا على الضابط الذى قتل والده قال له الضابط فى برود واستهتار ( متعلمتش و لا عاوز كمان ) !! .

هذه الحادثة تكشف عن حجم الإستهتار و الوحشية التى يتعامل بها بعض رجال النظام المصرى و أدواته تقربا و زلفا للباب العالى ، إنتظرت بعد نشر الخبر فى وسائل الإعلام  أن يكذب الخبر أحد من الحكومة المصرية ، إلا أن أحدا لم يعلق من قريب أو بعيد على الموضوع مما يعطى للخبر مصداقيته ، خاصة أن أهل الشهيد ليس لهم مصلحه من أى نوع فى إتهام مصر بذلك ، بل قد يعود ذلك بالضرر عليهم .

هذه القصة التى رويناها تحكى فقط صفحة من سجل المرار الذى تعامل به مصر الأشقاء الفلسطينيين ، أما أكثر الصفحات ألما و لوعة ، فهو ما يحدث لهم من تعذيب فى سلخانات النظام المصرى ، و التى تتمركز معظم التحقيقات مع الأسرى الفلسطينيين فى مصر  و غالبيتهم من رجال المقاومة  حول  بنية حركة حماس و طرق تهريب السلاح إلى قطاع غزة و مكان جلعاد شاليط و أماكن إختباء قادة المقاومة !!! ، هذه الأسئلة التى توجه لرجال المقاومة الفلسطينية  تحت وطأة تعذيب بالغ الشدة و القسوة ، تطرح تساؤلات عديدة عن الجهة الحقيقية التى تعمل لها جهة التحقيق مع الفلسطينيين و أعتقد أن نوعية الأسئلة تجعل الشخص متوسط الذكاء و ربما معدومه يعرف إلى أى حد من سجل الهوان و الخزى و العار الذى لا يمحوه تاريخ قد وصلنا !! .

فى حوار لضابط مصرى بجهة سيادية  مع و كالة أنباء  ( قدس برس ) و طلب عدم كشف هويته ، تحدث خلال الحوار عن كافة صنوف التعذيب التى تمارس بحق الفلسطينيين و التى قال عنها أنهم  (( معزولون عن العالم الخارجي ويعيشون في ظلام مطبق بشكل مستمر في زنازين ضيقة ورطبة وقذرة للغاية لا يستطيع حتى السجّان المكوث فيها لدقائق معدودة بسبب رائحتها الكريهة في حين يسجن المعتقل الفلسطيني فيها لأشهر متواصلة دون أن يرى الشمس".     

وتابع "كما أنهم ممنوعون من الصلاة بشكل نهائي وأثناء التحقيق يجبر المعتقل الفلسطيني على الصلاة وهو عاري بشكل كامل".

وأكد الضابط تعرض المعتقلين لأشكال عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي بشكل مستمر من أبرزها الشبح وتعليق المعتقل متدلي من قدم واحدة أو يد واحدة على أنبوب حديدي في سقف الغرفة لمدة ساعات، وقال: "يتم ضربهم على الوجه والمناطق الحساسة بالعصي الكهربائية أو عصي "البيسبول" السميكة ويتم عصب أعينهم لأيام وقد تمتد لأسابيع  و شهور وربط الأيدي بالأقدام .".

 

وتابع "في مرات كثيرة يمنع المعتقل من النوم فيربط على عمود إنارة خارج سرداب الحبس لأيام وإذا حاول النوم أو بدأ بالانهيار يقوم العسكري بسكب مياه باردة جدا أو ساخنة على جسده. وكل ذلك يحدث والمعتقل مغطى الرأس بكيس من القش يوضع  لأيام في مياه الصرف الصحي ( !! .

 

 وأضاف: (  أما التعذيب بالكهرباء فيتم بشكل شبه يومي بحيث يعرى المعتقل من ملابسه بشكل كامل ويوضع جهاز كهربائي في المناطق الحساسة أو على القلب والرقبة حتى يصاب المعتقل بعدها بوهن وآلام جسدية وقد يعجز عن الوقوف والحركة ليصل به الحال أن يحتاج لمساعدة من باقي المعتقلين لقضاء حاجته) و  وأشار إلى أن هناك حالة أو حالتي وفاة يوميا بسبب التعذيب ((القدس برس

 

هذه الأنباء التى تتناقلها وسائل الإعلام على الحدود مع غزة و فى قلب القاهرة ، تؤكد أن ما يحدث مع الفلسطينيين فى مصر ، ليس محض صدفة و إنما يتم بشكل ممنهج و مدروس و برضاء تام من النظام .

 

إننى أطالب كل الغيورين و العقلاء من أبناء الأمة بعدم الصمت على هذه الممارسات التى لا تترعرع إلا بسكوتنا ، كما أطالب بفتح تحقيق عاجل حول صحة هذه الأخبار التى كثرت هذه الأيام ' فإما أن يتم تكذيبها أو تتكشف لنا حقائقها و القائمين عليها و ربما نجد أن ما خفى كان أسوء بكثير مما هو معلن .

الذى يشفى غليل المرأ و يجعله يرتاح قليلا رغم شدة ألمه مما يحدث ، هو أن عدالة السماء واقعة لا محالة و أن الله لا يظلم عنده أحدا وسوف يقتص من كل ظالم و يأخذ الحق لكل مظلوم ، و عندها لن تنفع النياشين و لا المنصب الحساس و لا البراعة فى إخفاء معالم الجريمة ، و لا العدالة المائلة ، فهو القائل فى كتابه ( و من يحلل عليه غضبى فقد هوى ) ، فاللهم منتقم من الظالمين .

 


الأربعاء، ١٩ مايو ٢٠١٠

ما الذى خسرته مصر و العالم بتطبيق الطوارىء ؟! ( 2 – 2 )


ما الذى خسرته مصر و العالم بتطبيق الطوارىء  ؟! ( 2 – 2 )


نشر فى : نافذة مصر ، اخوان اون لاين ، بر مصر


بقلم د /  ممدوح المنير *


تكلمنا فى المقال السابق عن كون مصر تكاد تعبر الدولة الوحيدة فى العالم التى تطبق قانون الطوارىء منذ ثلاثين عاما على شعبها ، و تحدثنا عن فحوى بعض مواد قانون الطوارىء و التى تعطى الحق لرجال النظام و سدنته فى الإلغاء العملى لكافة مواد الدستور و القانون المصرى ، حيث يجعل قانون الطوارىء الشعب مستباحا من قبل النظام فحريته مسلوبة بكاملها دون ضابط و ممتلكاته منهوبة بلا رقيب و حياة المواطن و حركته و سكونه تحت وصايته .

فى هذا المقال نلقى الضوء على الآثار التى ترتبت على حكم المصريين طيلة ثلاثين عاما بهذا القانون البائس :


أولا ) أكبر كارثة سببها هذا القانون هو تأسيسه لدولة عمادها الظلم و بناءها الطغيان و باطنها من قبلها العذاب و الفساد و الإستبداد ، حين نطلق هذه العبارات فهى ليست كلمات مجازية أو إنشائية ، بل هى حقيقة واقعة مشاهدة لكل إنسان صحيح البصر و البصيرة .


فمن المعروف أن السلطات التنفيذية فى معظم دول العالم سواء المتقدمة منها أو المتخلفة قد ( تتجاوز ) فى الصلاحيات الممنوحة لها فى القانون العادى- فى بعض الأحيان أو فى الكثير منها - لكن المشكل عندنا أن الأجهزة التنفيذية للدولة إعتادت العمل بقانون الطوارىء الذى يمثل واحد من أبشع القوانين التى عرفتها البشرية !! ، فما بالك عندما تتجاوز أجهزة الدولة قانون الطوارىء ذاته و تتعداه فى تعاملها مع المواطنين ؟! ، و إذا تعجبت من هذا الطرح فرجع إلى تقارير المنظمات الحقوقية و الدولية المستقلة لتدرك أن النظام لم يكتفى بقانون الطوارىء بل تعداه فى قهره للشعب و بشكل لم يخطر على قلب بشر !! .


ثانيا ) حين أسس النظام بنيانه على قانون الطوارىء  إنتشرالظلم و الطغيان فكان اول ما أصاب المواطن المصرى هو أن أصبحت صفات مثل ( الخوف و الفزع و السلبية ) هى المتحكمة فى نظرته للأمور و تقديره للأشياء ، فالخوف و الفزع هما وسيلة أى نظام مستبد للبقاء ، عندما غابت حقوق المواطن تحت عتبات الطوارىء ، إنسحب الناس من الحياة و أصبح المواطن يدير حياته بعيدا عن الدولة  ، فانتقلت الأمة المصرية من دولة الطوارىء إلى دولة الغابة ، دولة البقاء فيها للأقوى و الأفسد و لو إلى حين !! ، و أخذت دولة البقاء للأصلح تتلاشى من حياة المواطنين ، حتى أخذت سمات قانون الطوارىء يتشربها الطفل المولود ،و يتربى عليها الفتيان و يشيب عليها الكهول !! ، فنسى الناس – إلا من رحم ربى – أنهم ناس !! ، و عاشوا بمنطق القطيع يقادون و لا يقودون .


و حين تراجع  هذا على الأرض تجد أن كلماتى السابقة تعبر على إستحياء عن مرارة الواقع و التى لو تطرقنا إليها لما نفعنا مقال و لا كتاب و لا حتى موسوعة !! لنصف كيف تغيرت حياة الناس و أخلاقهم .


ثالثا ) إقتصاديا : يقول تعالى على لسان سيدنا إبراهيم }رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ{ [البقرة: 126]  ، المعنى الواضح لهذه الآية الكريمة هو إرتباط ( الشعور بالأمن ) بالرخاء الإقتصادى فلكى تحصل على الثمرات لابد من أن تشعر بالأمن و الطمأنينة  ، حين تطبق هذه الآية على الوضع الإقتصادى المتدهور الذى تعانى منه مصر ، سرعان ما تدرك ما الذى فعلته بنا الطوارىء ، إفتقر الناس و هربت رؤوس الأموال ، و بيعت معظم أصول مصر ، و تدهورت كافة مرافق الدولة بشكل غير مسبوق ، و سرّح ملايين العاملين و أنتشرت البطالة .


لأن الأمن مفقود و العدل موؤود و الباطل مسنود فى ظل الطوارىء ، تراجعت مصر فى كل مجالات التنمية و تقارير المنظمات الدولية خير شاهد على ذلك .

رابعا ) مجتمعيا : حين شعر الناس أنه لا حيلة لهم فى ظل الطوارىء تأقلموا مع هذا الوضع بعدة طرق منها الإنسحاب من الحياة و السلبية المطلقة  كما قلنا سابقا ، فوجدنا الكثيرين ينتحرون أو يقتلوا أبنائهم أو آبائهم إحتجاجا على ما تفعله الدولة بهم !! لم يكن هذا العنف موجه للنظام بل كان موجه للذات ، فكان قتلهم لأنفسهم أو لأحبائهم أهون عليهم من يتصادموا مع النظام !!  ، أمثال هؤلاء تجد معظمهم فى المناطق العشوائية و الهامشية تنتشر بينهم البلطجة و الإنحلال الأخلاقى و الأمية و الجهل و المرض لهم عالمهم الخاص المغلق عليهم بعد أن أصبحوا فى ظل الطوارىء طارئون على الحياة !!  .


 البعض الآخر إستخدم العنف ضد الدولة فدخل معها فى صراع مرير حين تقرأ بعض تفاصيله و تطلع على بعض أسراره سرعان ما تشعر بحسرة ما بعدها حسرة عن الخسائر فى القلب و العقل و الضمير و الجسد فى هذه الدولة الظالمة أهلها و قصص ما وراء الأسوار تكفى و زيادة .


آخرون  وجدوا الحل لمعضلتهم مع نظام الطوارىء بأن يرتموا فى أحضانه و يتمرغوا فى ترابه و يتخلقوا بأخلاقه !! ، فظهرت طبقة من البشر مات كل شىء فيها اللهم إلا شهواتها التى لا تروى من ظمأ و لا تشبع من جوع ، فانتشرت المحسوبية و الواسطة و الرشوة و قيم النفاق و التملق و الغدر و الخيانة و الغش و الكذب و التزوير و الفساد تقربا و زلفى للأسياد ، لأن رضا الباب العالى أصبح هو قانونهم الوحيد فى ظل الطوارىء بعد أن غيّب قانونهم الطبيعى الذى يضمن حقوقهم و هذا ليس تبريرا لهم بقدر ما هو تفسيرا للحال الذى وصلوا إليه .

ثم تبقى القلة القليلة الصابرة المرابطة التى لم تتلوث بعد و هذه هى معقد الأمل بعد الله و التى تقوى شكوتها كل يوم و تزداد عزيمتها كل حين ، و يقرب صبحها كل فجر .

خامسا ) حين سادت حالة الطوارىء و أخلاق الطوارىء و رجال الطوارىء ، لم تتأثر مصر وحدها و شعبها ، بل كانت هذه الحالة وبالا على الأمة بكاملها ، فحين تجذرت الطوارىء فى مصر أنبتت العلقم فى فلسطين و العراق و السودان و غيرهم ، فلم يعد للعالم العربى و الإسلامى ( كبير ) يعمل له حساب لدى الغرب ، لأن النظام إنكفأ على ذاته واستقال من كافة قضايا أمته اللهم إلا من باب رفع الحرج أو ذرا للرماد فى العيون لأنه يعلم أن بيته من خيوط العنكبوت فآثر السلامة و الإنسحاب على الممانعة و الكبرياء ،  و لأنه لا يوجد فى ظل الطوارىء أحد يحاسبه أو يراجعه  فلم يدخل فى صراع من أجل الأمة  أو يتبنى قضية من قضاياها ، بل كان للأسف معول للهدم أكثر منه معول للبناء و ما يحدث فى غزة و دوره المشبوه هناك جزء من كل ، من مشهد تعانى منه الأمة فى ظل الطوارىء .


إن هذه القانون لهو عار على التاريخ ، عار على الماضى و الحاضر و المستقبل ، عار  على كل إنسان يمتلك الحد الأدنى من الكرامة و الإنسانية ، أن الذى يقبل أن يعيش فى ظل الطوارىء عبدا و قد خلقه الله سيدا ، أسيرا و قد خلقه الله حرا ، ذليلا و قد خلقه الله عزيزا  لا يستحق الحياة و لا تستحقه ،  فهل نستيقظ و نتحرك قبل فوات الأوان ، اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد .


·        كاتب و باحث



السبت، ١٥ مايو ٢٠١٠

ما الذي خسرته مصر و العالم بتطبيق قانون الطوارئ ؟ 1 !



ما الذي خسرته مصر و العالم بتطبيق قانون الطوارئ ؟! ( 1- 2 )

 

بقلم / د ممدوح المنير *

 

 نشر فى : صحيفة الشعب ، بر مصر ، جبهة إنقاذ مصر ، نافذة مصر



تكاد تكون مصر هي الدولة الوحيدة عبر التاريخ الإنساني التي جعلت شعبها و مؤسساتها تعيش حالة ( طوارئ ) لأكثر من ثلاثين عاما منذ  تولي د. صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب المصري  رئاسة الجمهورية مؤقتا بعد إغتيال السادات فى السادس من أكتوبر  عام 1981، وحتى بعد انتقال السلطة للرئيس مبارك و استقرار الأوضاع لم تبادر الحكومة بإلغاء حالة الطوارئ .

رغم أنه من المعروف أن حالة الطوارئ لا تفرض إلا في حالة إعلان الحرب أو كارثة طبيعية مدمرة أو وباء مهلك و في هذه الاحتمالات الثلاثة ، تطبق حالة الطوارئ لتعذّر قيام مؤسسات الدولة المختلفة بأداء دورها الطبيعي دون التعرض للهلاك ، كما يتعذر تطبيق القانون الطبيعى لعدم وجود الآليات و الوسائل اللازمة لتطبيق القانون وقت الحرب أو الكارثة الطبيعة كالزلازل المدمرة و نحوها .

 

 

عندها فقط تفرض حالة الطوارىء و لمدة قصيرة جدا !! و فى بعض الدول لا تزيد عن أسبوع أو عدة أيام  !! ، و لا تجدد نهائيا إلا فى أضيق نطاق و تحت رقابة  قوية من الشعب  و لأيام معدودة وبمبررات مقبولة ، هذا ما يحدث فى الغالبية الساحقة من الدول العالم ! ، بل إن هناك دول تحدث فيها مبررات إعلان الطوارىء التى تحدثنا عنها سابقا و يرفض البرلمان إعلان حالة الطوارىء و لو ليوم واحد !! .

 

ففي فرنسا التي تعرضت لمظاهرات ضخمة لم يقبل الشعب الفرنسي استمرار الطوارىء أكثر من 12 يوما وعادت بعدها القوانين الطبيعية للأداء و ظيفتها ، و فى اليونان لم تستطع الحكومة اليونانية فرض حالة الطوارىء أكثر من شهر على الشعب اليوناني الذى خرج للتظاهر بعد مقتل أحد الشباب على يد شرطى ، وفي الهند سقطت حكومة السيدة أنديرا غاندي عام 1961 لفرضها حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر فقط !! ، وحتى في الولايات المتحدة وإنجلترا وأسبانيا رغم تعرضها لحوادث إرهابية لم تتمكن حكوماتها من إعلان حالة الطواريء لأكثر من بضعة أشهر .

 

هذا ما يحدث فى كل دول العالم تقريبا سواء كانت متقدمة أو متخلفة ، دول عالم أوّل  أو ثانى أو ثالث ، فقيرة أم غنية ، أمّا فى مصر فتكاد تكون الدولة الوحيدة التى تفرض ( حالة ) الطوارىء دون أى مبرر منطقى مقبول ، اللهم إلا تثبيت أركان نظام منتهى الصلاحية منذ فترة طويلة و يدرك جيدا أنه لا يستطيع أن يبقى فى الحكم لساعة واحدة دون طوارىء .

 

 هذا القانون يعطى للرئيس و النظام صلاحيات هائلة ، تلغى عمليا الدستور المصرى بكامله !! ، كما أنه يجعل من الوطن سجن كبير و يكفى أن تتطلع على جزء من نص القانون لتعرف لماذا تتشبس به الحكومة و النظام طيلة ثلاثين عاما ، تقول بعض نصوص القانون فى مادته الثالثة " لرئيس الجمهورية متى أُعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو (  شفوي !! ) التدابير الآتيــة : وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك ( تكليف ( أي شخص!! )  بتأدية ( أي عمل من الأعمال  !!!!!! )  ..." و ( الاستيلاء !!! )  على أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما تستولى عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة" .

 

تأمل معى هذه العبارات التى وردت فى الفقرة السابقة

* أن يتخذ بأمر ..  ( شفوى ) بمعنى أن يصدر ما يشاء من قرارت  قد تحدد مصير  الشعب بتحريك لسانه فقط !!  ، و فى نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يحاسبه عليها  لأنه غير مكتوبة و غير موثقة !! .

 

·        وضع ( قيود ) على ( حرية ) الأشخاص فى ماذا ؟! (الإجتماع ،  الإنتقال ، الإقامة ، المرور ) يعنى لا تجلس فى بيتك إلا برضاه ! و لا تتحرك خارج بيتك إلا برضاه ! و لا تجلس مع أحد إلا برضاه ! ،و لا تسير فى طريق إلا برضاه ! .

 

·        القبض على ( المشتبه به أو الخطرين على الأمن العام و ( النظام العام !! )  ) من الذى يحدد أن هذا الشخص خطر أو مشتبه به ؟! ، لا أحد سوى رجال النظام .

 

·        تفتيش الأشخاص و الأماكن ( دون التقيد بأحكام القانون ) يعنى حرمات البيوت و الأعراض و المؤسسات  منتهكة فى أى وقت و بدون موافقة النيابة فقط طبقا لمزاج رجال النظام .

 

·        تكليف ( أى شخص ) بتأدية ( أى عمل ) !!!! ، لاحظ مع ( أىّ )  التى فى العبارة ، يعنى يستطيع تكليف أى إنسان ،  متعلم أو غير متعلم ، نصاب أم شريف ، مؤهل أم غير مؤهل  ، مستحق أو غير مستحق ، أى أحد بلا قانون أو أعراف مجرد ( رغبته ) فى ذلك هى وحدها قانون ، ثم لاحظ بقية الكارثة ( أى عمل ) لم يقل النص ( أى عمل لا يخالف القانون ) ، لكن ( أى عمل ) و فقط  سواء كان مشروع أو غير مشروع ، حلال أم حرام ، صواب أو خطأ ، لا فرق فهو يستطيع تكليف أى شخص بأى عمل !!!! .

 

·        ( الإستيلاء ) على  ( أى)  منقول أو عقار !! ، السرقة بقوة القانون يعنى لو حضرتك الصبح إستيقظت من النوم و وجدت من ينقول لك هذا البيت لم يعد بيتك ، فلا تتعجب إنها إرادة قانون الطوارىء ، و إذا كنت تركب سيارتك و و جدت  من يوقفك و يستولى عليها من الحكومة ، فلا تتعجب و تصدم  فقانون الطوارى ء يعطى الحق للنظام بسرقة بيتك أو أموالك أو ممتلكاتك بالأمر المباشر ودون رجوع للقضاء أو أى شىء !! .

 

لاحظ معى أنى نقلت لك الكوارث التى فى فقرة واحدة من القانون و لم أتحدث عن بقية الكوارث و المصائب فى باقى الفقرات .

فى المقال القادم بإذن الله نكمل الحديث عن الآثار المترتبة عن تطبيق قانون الطوارىء لا فى مصر وحدها و لكن على العالم العربى و الإسلامى كذلك  !!  .

 

* كاتب و باحث


الخميس، ٦ مايو ٢٠١٠

مصر و إسرائيل الحب الحرام !!


مصر و إسرائيل الحب الحرام !!


بقلم / د ممدوح المنير *


نشر فى : اخوان أون لاين ، نافذة مصر ، بر مصر ، الشعب


حين تتأمل ما يحدث بين النظام المصري و إسرائيل في الآونة الأخيرة ، سرعان ما ينتابك قدر كبير من الدهشة التي تبعث على المرار ، و التعجب الذي يدعو للريبة ، و الشك الذي يملأ نفسك بسىّء الظن .

 إننا أمام حالة  ( حب ) مصري تجاه إسرائيل ، و العجيب أنه حب من طرف واحد !! ، و كأن مصر قد رفعت شعار

( ما محبة إلا بعد عداوة ) أو  أنه تطبيق في غير موضع للآية الكريمة التي تقول  ( فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم ) فصلت من الآية 34!! .

تأمل معي هذه الجملة من المواقف المتتالية والتى حدثت خلال فترة قصيرة من الزمن لتعرف الحال الذي وصلنا إليه:


1)    الرئيس المصري هنأ الحكومة الإسرائيلية و الشعب الإسرائيلي  بذكرى ( استقلال دولة إسرائيل !! ) و التي هي ذكرى نكبة فلسطين في 48  !! .

 

2)    الحكومة المصرية تفرج عن متسللين إسرائيليين إلى أرض سيناء بعضهم مسلح و تعيدهم إلى إسرائيل آمنين سالمين دون محاكمة ، في حين أنها حكمت – عسكريا - بالسجن على مصريين تسللوا إلى قطاع غزة  للتضامن مع أهل القطاع ( الأستاذ مجدي حسين الأمين العام لحزب العمل المصري نموذجا ).

 

3)    اتفاقية الغاز التي تمد بموجبها مصر إسرائيل بالغاز المصري بأقل من السعر العالمي بنحو عشرة أضعاف على الأقل و تخسر مصر يوميا يسبب ذلك 55 مليار جنيه من أجل عيون إسرائيل ، في حين أن حرب أنابيب الغاز تشتعل في مصر ،  بل سقط أول قتيل مصري من أجل أنبوبة الغاز !! .

 

 

4)    دعم مصر لموقف إسرائيل الذي يقضى بالدخول في مفاوضات غير مباشر مع السلطة الفلسطينية  دون

وقف الاستيطان و دون شروط مسبقة  !! ، رغم الفشل الذريع لعشرات المفاوضات المباشرة   .

 

5  ) الأحكام القاسية التي صدرت بحق المتهمين فيما عرف ( بخلية حزب الله ) و التي كانت مجمل أهدافهم  هي دعم الشعب الفلسطيني ، و قال حينها المحللون أن الخلية قد تكون أخطأت

( قانونيا ) بالعمل بغير غطاء شرعي في مصر و لكنها أحسنت ( سياسيا ) في دعمها للشعب الفلسطيني  الذي هو واجب الجميع .

 

6 ) زيارة نتنياهو الأخيرة للقاهرة بعد تعافى الرئيس المصري من وعكته الصحية  و التي قالت الصحف العبرية بأن  ( الترحيب ) المصري بالزيارة  كان ( رائعا  !!) ، في  حين تتلكأ  مصر في استضافة الرئيس السوري الذي أراد أن يزور الرئيس مبارك لتهنئته بسلامته  .

 

7 ) بناء الجدار الفولاذي على الحدود مع قطاع غزة للمساهمة في خنق كلى  للقطاع المحاصر ، مع تسميم الأنفاق لقتل العاملين بها ، كما حدث مؤخرا و قتل أربعة أشخاص بالغاز السام داخل أحد الأنفاق ، مما يصب في النهاية في صالح إسرائيل .

 

8 ) ترميم المعبد اليهودي – موسى بن ميمون - في القاهرة على نفقة الحكومة المصرية  ( 2 مليون دولار ) رغم عدم وجود يهود  مصريين ، و رغم أن الآثار الإسلامية تتهاوى بفعل الإهمال المتعمد !! من جانب الحكومة .

 

      لك أن تتخيل أن هذا هو الشق المعلن من المواقف ، أما الشق الغاطس الذي قد لا يعلمه الكثيرين فحدث و لا حرج ، مما يجعلنا نطرح تساؤلا مشروعا عن سبب هذه العلاقة العجيبة  المريبة بين النظام المصري و إسرائيل ، و التي تجاوزت كل حدود اللياقة و القيافة المطلوبة و خاصة أن مخزون الكراهية لإسرائيل لا يزال مرتفعا بين أبناء الشعب المصري و العربي ، ليس هذا فحسب بل قيام إسرائيل بأدوار مشبوهة في تحجيم الدور المصري على الصعيدي العربي و الدولي و تهديد الأمن القومي المصري مباشرة و دورها فى منابع النيل ليس منّا ببعيد  .

 

حين تبحث عن السبب ، قد يتبادر إلى ذهنك أن ترتيبات و طموحات رجال  السلطة في مصر و ما يلزمهم من تثبيت أركانهم من دعم أمريكي أوربي لا يتأتى إلا برضا إسرائيلي قد يكون السبب وراء هذا الانكفاء المصري تجاهل إسرائيل و هذا سبب له وجاهته بكل تأكيد .

أو قد يقول قائل إنها توابع  اتفاقية كامب ديفيد و شروطها المعلنة و السرية  وحتمية إلتزام مصر ببنودها ، لكنى أعتقد أن هذا أو ذلك لم يكن السبب المباشر فى هذا التحول المذهل فى العلاقة مع إسرائيل لدى النظام الحاكم من العدو اللدود إلى الصاحب الودود  ، فى عملية إنقلاب على حقائق الواقع و التاريخ  و المستقبل .

 

لكن فى إعتقادى أن السبب الحقيقى فيما  يحدث هو نظرة مصر لنفسها أو قل إن شئت الدقة نظرة النظام المصري لمصر و طبيعة دورها ، ففي عهد عبد الناصر رغم كافة مثالبه إلا أن نظرته لمصر و مكانتها و دورها كان مرتفعا فارتفعت مصر إلى مستوى الأحداث و كانت حركتها و سكونها محط اهتمام العالم أجمع ، لكن حين انتقلت القيادة للسادات و أنشغل في بداية عهده بالتخلص من موروث سابقه على مستوى الأفكار و الشخوص .

بدأ حينها الدور المصري فى التراجع حتى قال السادات جملتيه الشهيرتين  الأولى (  أن 99 % من أوراق اللعبة فى يد أمريكا ) و الثانية أن (  حرب أكتوبر هى آخر الحروب ) ، و ترجمت هذه الفكرة الساداتية إلى واقع و سلوك و منهاج و انتقلت مصر من مقام الندية و الاستعلاء  فى علاقتها بالغير إلى مقام التبعية و الانزواء ، و اصبحت هاتين العبارتين هما الدستور الغير مكتوب للسياسية و الإستراتيجية المصرية والتزم النظام المصرى بعد السادات بتطبيقهما بإخلاص منقطع النظير  ، فتم ترجمتهما إلى سياسات و آليات ظلت تخصم من رصيد مصر الداخلى و الخارجى ، حتى أصبح النظام المصرى يستمرأ السقوط  و فى كل مرة يتنازل فيها كان يصعب عليه العودة إلى المربع الأول حتى خرج تماما من معادلة القوة و أصبح جزءا من معادلة الضعف لا لمصر و حدها و إنما كذلك للعالم العربى و الإسلامى    .

* كاتب و باحث

 

 


السبت، ١ مايو ٢٠١٠

من حجرة الجلوس إلى حجرة النوم !!


من حجرة الجلوس إلى حجرة النوم !!


بقلم / د ممدوح المنير *

 

نشر فى : نافذة مصر ، بر مصر


دار حوار بينى و بين أحد الأصحاب عن المستجدات فى الساحة المصرية و المتوقع من سيناريوهات  المواجهة بين النظام و المعارضة بكافة أشكالها ، فأخذ  يحلل الواقع فى اسلوب لا يخلوا من حكمة و فى حماسة لا تخلوا من غيرة على الوطن ، مما أثلج صدرى  من وجود أمثال هذا المواطن الواعى .


لكنه لم يمهلنى كثيرا ، إذ سرعان ما أتحفنى بكلام  ملىء بالإستسلام و الضعف ، وجدته يقول لى ( الحل فى ربنا )  قلت له و نعم بالله ،  لكن المولى عز وجل يقول { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم {  [ الرعد : من الآية 11] ، قال لى ماذا تقصد ؟! ، قلت  له إن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم ، و نحن لا نفعل سوى العكس ندمر انفسنا !! ، إذا لم نتحرك نحن أولا و نرفض ونقاوم الظلم و الطغيان و الإستبداد الذى تحياه الأمة فسيتجه حالنا من السىء إلى الأسوء ، فالمولى عزّ وجل  تدخله فى مجريات الأمور حاصل وواقع ، لكنه لا يفرض واقعا جديدا نتمناه  إلا بعد أن يستفرغ الدعاة و المصلحون كافة الوسع و الطاقة و الجهد ، عندها يستشعر فيهم الإستعداد للتضحية فى سبيله ، فيأتى النصر بإذنه.


شعرت أنه لم يرتاح لحديثى فقلت له مستبقا  (( و عادة  الناس جميعا يعرفون هذا الكلام أكثر منى ، لكن الكثير منهم  لا يريد أن يقتع به ، أو بمعنى أدق يدّعى عدم إقتناعه به !! ) ، فقال لى مندهشا - لأنى كشفت سريرته - كيف ؟!! ، قلت لأنه لو إقتنع ، فسوف يترتب على هذا الإقتناع ، أن يبدأ فى العمل و الحركة و بذل الجهد و الطاقة و التضحية بكل غالى و نفيس فى سبيل ما يؤمن به ، و كل هذا ثقيل على النفس مكروه بالنسبة لها ، فيعيش فى أزمة ضمير و إحساس بالتقصير إذا كان لديه قلب حىّ ، لذلك تجد الشخص يناور و يجادل و يدخل بك فى معارك جانبية أو فى حوارات لا تغنى و لا تسمن من جوع ، ليهرب من إستحقاقات المواجهة ، و ليجد مخرج لضميره كى يرتاح ، فسكت صاحبى و لم يحر جوابا .


لكنه أتحفنى بآخر نصائحه قائلا لى  و قد إكتسبت عبارته نبرات إنكسار لا تخطئها أذن ( ابعد عن الشر و غنيله !! )


فقلت له مبتسما المشكلة أن الشر هو الذى يأتى لنا ، كما أنى لا أجيد الغناء !!  ، فقال لى ( لا طاقة لنا بهم ) ، فقلت له مشفقا عليه ، ما أسوء شىء ممكن أن يحدث لك ؟! ، فقال لى فى سرعة عجيبة ( دخول السجن ) ، فقلت له هل هذا أسوء شىء ؟! ، فقال لى ( و هل هناك أسوء من ذلك ؟! ، قلّت قيمة و بهدلة ) فقلت له على رسلك دعنا نراجع كلماتك :


أولا قلت أنه أسوء ما يحدث لك ، فدعنى أسألك أيهما أسوء أن تدخل السجن بضعة أشهر أم تصاب بالسرطان ؟! ، فنظر إلىّ مبهوتا و سكت ، فأكملت حديثى دون أن أنتظر منه إجابة أيهما أفضل السجن بعض الوقت أو أن تصاب بفشل كلوى أو تليف كبدى أو بشلل أو بمرض مزمن من سكر و ضغط و نحوه أو غيرها من الأمراض الكثير ) .


للاسف الشديد معظم هذه الأمراض السابقة مصر الأولى عالميا فى معدلات الأصابة بها – عشرات الملايين - نتيجة تفشى الفساد و الإهمال الذى تخشى أن تقاومه ، يعنى الشر – مجازا و كل ما عند الله هو خير - هو  الذى أتى لك و لم تذهب أنت إليه !! ، فماذا تختار ؟! ، فقال صاحبى فعلا الحبس بضعة أشهر أحب إلىّ من أن أبتلى بهذه الأمراض عافنا الله و إيّاك .


فقلت له أثناء إعتقالى حكى لى أحد رفقاء الزنزانة  أثناء وجوده بسجن الترحيلات وهو حجز مؤقت لعدة ساعات أو أيام  للمعتقل لحين  توزيعه على أحد السجون ، قال رفيق الزنزانة (( جاءتنى زيارة من أهلى و فى صحبتهم صديق لى مريض بالسرطان و يعانى منه أيّما معاناة ، حتى أنه كان لا يقدر على الحركة ، و قد أصرّ أن يزورنى ،  فأوقفوه أمام الزنزانة التى أنا محبوس فيها و كانت حالتى النفسية فى غاية السوء و فى حالة جزع ، ثم  حملوه و رفعوه إلّى ليرانى من شباك الزنزانة المرتفع ،  و سلم علىّ ثم قال لى يا فلان و الله إنى على استعداد أن أجلس فى زنزانتك هذه بقية حياتى ،شريطة  أن يخفف عنّى الله الآلام التى أشعر بها ، فقال صاحبى فانتبهت واستحيت من الله على جزعى و قلت لنفسى السجن أحب إلّى مما هو فيه ) .


ثم أنت يا صاحبى تقول لى أنه ( قلّت قيمة و بهدلة ) ، فأما موضوع قلة القيمة فأستغرب أن يقول هذه الكلمة مثلك ، ، فقال لى لماذا ؟! ، فقلت له : كنت أحسبك من طبقة المثقفين الذين يعون جيدا وقائع التاريخ ؟! ، فقال لى كيف ؟! ، فقت له : هل  تعرف هذه الأسماء ( سيدنا يوسف عليه السلام ، أبو حنيفة النعمان ، أحمد بن حنبل ، بن تيمية ، أحمد ياسين ، سيد قطب ، حسن الهضيبى ، خيرت الشاطر ، محمد بديع ، مهدى عاكف ، فهمى هويدى ، مجدى حسين ، أسامة الغزالى حرب ، محمد حسنين هيكل ، مانديلا ، ... الخ ) و غيرهم الآلاف بل عشرات الآلاف من القادة و المصلحين و الكتاب و المفكرين و السياسيين على إختلاف مشاربهم ، هل قلل السجن من قيمتهم ؟! ، فسكت صاحبى و قد يأس من أن يجد جوابا و أطرق بعينيه إلى الأرض ، فوضعت يدى على كتفه و قلت له فى ودّ ، إن أقدار الرجال تعرف بقدر تمسكهم بمبدائهم و إستعدادهم التام للتضحية فى سبيلها ، إنهم يخافون كما يخاف الناس و لكن الذى يفرق بينهم و بين غيرهم هو سرعة التغلب على هذا الخوف ، فالخوف لدى الرجال طارىء و لدى أشباه الرجال دائم .


أما عن  ( البهدلة ) التى تتحدث عنها فهى نفس مشاعر و أحاسيس ( البهدلة ) التى تعيشها فى حياتك العادية  لا فرق ، فخرج عن صمته و حدق فىّ قائلا كيف ؟!  ، قلت له مشاعر ( الغضب و الضيق و الحزن و الهم و القلق و الخوف ) كل هذه المشاعر السلبية التى قد تنتابك حين يضايقك أحد فى زحمة المواصلات أو تتأخر زوجتك فى إعداد الطعام أو  و أنت تنتظر ترقية أو نتيجة إمتحانات أو وفاة عزيز أو خسارة تجارة هي نفسها المشاعر و الأحاسيس التى قد تنتابك  فى السجن إن لم تستعن بالله .


فقال لى لم أفهم ما تقصده ؟! ، فقلت له يا صاحبى  ما أعنيه أن السجن لن يضيف لك المزيد من المشاعر و الأحاسيس السلبية نتيجة الحبس فهى نفسها المشاعر التى تشعر بها فى حياتك العادية ، بل على العكس إن فوّضت أمرك لله فسرعان ما تشعر براحة ما بعدها راحة  ، فنظر صاحبى إلى ّ مستغربا و قال لى منطقك غريب !! .


قلت له لا توجد غرابة و لكن هذا هو ما يعلمنا إياه الإسلام ، قد تخاف على عملك أو تجارتك أو حياتك  إذا وقفت إلى جانب الحق ، لكن حين تسمع حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا  لا يمنعنّ أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه  لا يقرب من أجلٍ ويباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكّر بعظيم ))  (رواه الإمام أحمد ) ، عندها تشعر بطمأنينة فى قلبك و راحة فى صدرك و تعلم أن قول الحق ودفع الباطل لن يقدّم أجلك أو يمنعك الرزق  ، ثم ختمت كلامى معه  قائلا من أمثال هؤلاء الرجال الذين تلخّص مواقفهم كلامى هذا  كله ، المستشار حسن الهضيبى رحمه الله حين سئل عن  شعوره عندما حكم عليه بالإعدام؟

فأجاب : كأني أنتقل من غرفة الجلوس إلى غرفة النوم.

·  


blogger templates | Make Money Online