الجمعة، ٢٦ مارس ٢٠١٠

نهارنا عسل.. الفنكوش وصل!

نهارنا عسل.. الفنكوش وصل

بقلم: د. ممدوح المنير *


نشر فى : اخوان اون لاين ، العرب نيوز ، بر مصر ، نافذة مصر


كنت أتحدث مع صاحبي عن الأوضاع المتفجرة في فلسطين المحتلة، والتهديد الذي تتعرَّض له القضية الفلسطينية من حين لآخر، في ظل الخداع الكبير الذى تمارسه "إسرائيل" والولايات المتحدة والرباعية في حق القضية والشعب والتاريخ.

 

فإذا به يقول لي: هل شاهدت الفيلم المصري (الفنكوش)؟ قلت له: لست من هواة مشاهدة الأفلام، اللهم إلا النذر اليسير والمحترم منها، فقال: ليس لي باع مثلك في أمور السياسة، لكني أعتقد أن ما يحدث للقضية الفلسطينية هو "فنكوش" كبير!، قلت له: وما هو الفنكوش؟!

 

قال لي: في الفيلم المصري، بطل الفيلم يعمل في وكالة إعلانية لتسويق المنتجات ويؤدي عمله بطرق ملتوية وغير مشروعة؛ لتحقيق الربح السريع والقضاء على المنافسين، فيقوم البطل في الفيلم بالإعلان عن منتج وهمي ليس له وجود اسمه "الفنكوش"، ويملأ أنحاء الجمهورية بعبارته الهزلية (نهارنا عسل.. الفنكوش وصل)، وتظل الجماهير تتساءل عن هذا المنتج المنتظر، وتطالبه الغرفة التجارية بتقديم نموذج للمنتج المعلن عنه، ويظل يتهرب ويناور ويطيل أمد تقديم المنتج؛ حتى ينجح في اختراع قطعة من الحلوى عبارة عن منتج مسكِر، فيدخل الجميع في حالة سكر وغيبوبة من تناول (الفنكوش)!.

 

قلت لصاحبي: يبدو أنك تفهم في السياسة أكثر مني، فتهلَّلت أساريره، وبدت نواجذه، وقال لي: كيف؟!!، قلت له هذا ما تفعله بنا "إسرائيل" وأمريكا، يروِّجان لنا الوهم المسمَّى (عملية السلام)، ويظلاَّن يحدثاننا عن السلام الذي لا يأتي!، وتظل أمريكا و"إسرائيل" تناوران وتراوغان ونحن نصدق الوهم، أو ندَّعي تصديقه حتى نهرب من المواجهة وتحمُّل المسئولية.

 

وعلى أرض الواقع تظل الممارسات "الإسرائيلية" الإجرامية بحقِّ المقدسات والأعراض مستمرةً دون توقف، وتظل حبائل الشيطان تُنسج، فقاموا بتقزيم القضية في المسجد الأقصى؛ بحيث نُستنفر فقط إذا اقتُحم المسجد المبارك، فإذا لم يقتحموه تمضي الحياة في سلام!، فلم نعد نُستنفر من أجل احتلال فلسطين كل فلسطين، أو نستنفر لانتهاك الأعراض، أو عودة اللاجئين، أو للأسرى، فقط من أجل المسجد الأقصى؛ حتى المسجد لم نوفِّه حقَّه من الاستنفار، فكانت الهبة الشعبية في غالبها نخبويةً ومتأخرةً، أما جماهير الأمة وملايينها فلا تزال تغطُّ في سباتها العميق أو تتفرج في أحسن الأحوال.

 

قال لي صاحبي: حنانيك، هوِّن على نفسك، فقلت له لقد هانت علينا نفوسنا، فهُنَّا على أعدائنا، فقال لي: يبدو أن "الفنكوش" أثَّر فيك، فقلت له مبتسمًا، يا صاحبي يبدو أن كل من حولنا أصبح "فنكوشيًّا"!، فقال لي: يبدو أني أخطأت في الحديث عن الفيلم، فقلت له، ألا تصدق أن كل شيء أصبح "فنكوشيًّا"؟!.. القادة العرب يتحدثون عن دعمهم المستمر للقضية الفلسطينية، فإذا نظرت من حولك لا تجد سوى الوهم، وقائد آخر يقول: لن أسمح بتجويع الشعب الفلسطيني، فإذا تأملت الواقع تجده لا يدع وسيلةً ممكنةً لتجويع الشعب الفلسطيني إلا وفعلها.

 

حالة فنكوشية أخرى.. المصالحة الفلسطينية والوساطة (النزيهة!!) للنظام المصري بين فتح وحماس، والوساطة (النزيهة كذلك!!) لأمريكا والرباعية بين فلسطين وإسرائيل وقرارات الأمم المتحدة التي لا تنفذ "فنكوشًا" آخر.

 

الرئيس أبو مازن هو حالة فنكوشية أخرى؛ فالرجل منتهي الولاية منذ زمن طويل، ولا يزال العرب والعجم يلقبونه بـ"الرئيس" الفلسطيني في تزوير متعمَّد للواقع والدستور والتاريخ.

 

أخذتُ تنهيدةً طويلةً أخفف بها عما يعتمل في صدري والتفت لصاحبي وقلت له: هل كان الفيلم كوميديًّا أم جادًّا؟! فقال لي مندهشًا من السؤال، بل كان كوميديًّا فقلت له في حالتنا نحن يبدو أن الفيلم تراجيديٌّ من الدرجة الأولى ونهارنا عسل أسود، إذا لم نستفِق من غيبوبة "فنكوش" الذل والهوان

* كاتب و باحث

الاثنين، ٢٢ مارس ٢٠١٠

إن الذى يمد رجليه ، لا يمد يديه !!


إن الذى يمد رجليه ، لا يمد يديه !!


بقلم / د ممدوح المنير *



عندما مات فضيلة الدكتور محمد  سيد طنطاوى  شيخ الأزهر ، لم أجد غير الدعاء له بالمغفرة على ما قدم ، و تمنيت أن يكون موته عبرة لمن يأتى بعده ، فالرجل كان مخلصا للنظام أيّما أخلاص ، و لم يتوانى عن الإعتراف بأنه موظف لدى الدولة ، يسير معها حيث سارت ، فكان يؤدى دوره بتفانى عجيب و إخلاص بلا حدود ، بل بتضحيات تدعوا إلى العجب و تحمل عن النظام آلاف التهم و النعوت التى وصف بها ،  لدوره فى ( شرعنة ) أفعال النظام المصرى حتى و إن خالف بمواقفه هذه جمهرة العلماء فى هذا العصر و كل العصور !! .

أقول رغم هذا كله نال الشيخ -  الذى نسأل له المغفرة مخلصين - جزاء سنمّار ، فلم يعلن الحداد على موته و لو دقيقة واحدة !! ، و لم يمشى أحد فى جنازته من المسئولين أو رجال النظام – ربما كان هذا أفضل له – و  لم يصدر خطاب نعى من القيادة السياسية  فى حق رجل يعتبر رسميا على الأقل يمثل أعرق مؤسسة إسلامية فى العالم ، و عادة ما يستقبل استقبال الملوك و الرؤساء فى العديد من الدولة العربية و الإسلامية .

إن هذا الموقف المؤسف الذى يعبر عن الكثير من ( الجحود ) لحرّى بشيخ الأزهر الجديد فضيلة الدكتور أحمد
  الطيب أن يستفيد منه و يضعه نصب عينيه  ، كما أدعوه كذلك أن  يجعل حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم  و الذى يقول فيه (من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس ) .


أمر آخر يبعث على الدهشة و السخرية المريرة  فى هذا الموضوع ، فنظامنا الحاكم الميمون الذى لا ينفك يحدثنا صباح مساء ، عن فصل السياسة عن الدين ، و الدين عن السياسة ، و لا يكتفى بذلك  بل يعمل النظام بكل سلطته و جبروته على تمرير تعديلات دستورية مزورة ، ليلغى أى دور للدين فى الحياة العامة ، بدعوى المواطنة أو منع  تسييس الدين أو تديين السياسة و غيرها  من المحاضرات الحنجورية التى يطربنا بها ترزية بين الحين و الآخر ، ثم كان القرار المعجز !! ، بتعيين د أحمد الطيب ( عضو لجنة السياسات ) التى يترأسها 
جمال مبارك فى منصب ( شيخ الجامع الأزهر ) أعلى  قيمة دينية فى العالم الإسلامى !! .

أريد من ساسة النظام  أن يجيبوا لى عن هذا التساؤل البرىء ، أليس تعيين عضو فى لجنة السياسات فى منصب شيخ الأزهر ، يعد خلطاَ للدين بالسياسة ؟! ، ثم كيف يوازن شيخ الأزهر الجديد بين عمله كإمام لأهل السنة فى العالم الإسلامى بكل ما يعنيه ذلك من قيمة  ، و عمله فى لجنة سياسية  مهمتها الأولى هى تزوير الإنتخابات و كبت الحريات و تعميق الإستبداد ؟! .


إننى أبرأ بقيمة كبيرة لدى المسلمين كشيخ الأزهر أن يلوث نفسه بأوحال لجنة السياسات ، و أرجوه رجاءا صادقا أن يستقيل من هذه اللجنة  ، حتى يستطيع أن يعيد لمؤسسة الأزهر رونقها و جلالها ، و التى أصاب صورتها الكثير من التشويه نتيجة ممارسات سابقة مثلت حذفا من قيمتها و تراجعا لدورها الحضارى عبر التاريخ .


كما أقول لفضيلته أننا سننسى كافة المواقف التى ذكرتنا  بها وسائل الإعلام سامحها الله و التى منها  تصده للطلاب المعارضين لسياسة الدولة  ، ونقل عنه قوله ، (  إن الجامعة تَسَعُ أيَّ شخص ، حتى اليهود ، ولكنها لا تسع لطلاب الإخوان )

كما طالب القضاه بعدم الإفراج عن الطلاب المعتقلين سياسيا لأداء الإمتحانات ، نعم سننسى كذلك فتاويك التى أبحت للمرأة فيها أن تؤم الرجال فى الصلاة ، أو إباحة الرشوة  لدى الضرورة ، أو  وجوب التصويت على التعديلات الدستورية الباطلة  ، نعم فضيلة الشيخ سننسى كل هذا و أكثر ، لأن جلال المنصب و مرارة الواقع تدعونا لتجاوز أى مرارة أخرى ، حفاظا على آخر قلاعنا  ( الأزهر الشريف ) .

و فى ختام مقالى أسمحى شيخنا أن أهديك هذه القصة التاريخية  و التى نحتاج إلى عبرتها الآن أكثر من أى وقت مضى ، تحكى القصة عن  شيخ الأزهر الإمام النقراشى و الذى كان جالسا بالجامع الأزهر فمر الخديوى توفيق بالشيخ و هو ممد القدمين فلم يضمهما حين مرّ به الخديوى فاغتاظ منه الخديوى و كتمها فى صدره ، ثم أرسل له رسولا يحمل كيسا من المال ، يريد بها أن يكسر إباء الشيخ ، فلما جاءه الرسول ووقف بين يديه و هو يدعوه لقبول هدية الملك قال له شيخ الأزهر ( إذهب إلى سيدك و قل له  إن الذى يمد رجليه ، لا يمد يديه ) !! .

* كاتب و باحث

الأحد، ٢١ مارس ٢٠١٠

الله يخرب بيوتهم






بقلم / د ممدوح المنير


افتتح اليهود يوم الإثنين 15/3 ما يُعرف لديهم بكنيس (الخراب)، وهو الكنيس الذي يعتبر اليهود إعادة بنائه- وفق تصوراتهم- مؤشرًا على قرب بناء هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى
وبحسب الأساطير اليهودية التي يؤمنون بها، فإن بناء كنيس الخراب يقربهم مما يسمونه بخلاص اليهود؛ حيث تتحدث هذه الجماعات الصهيونية عن "نبوءة" مفادها أن حاخامًا "إسرائيليًّا" عاش في العام 1750م، كتب يومها متنبئًا- كما يزعمون- بأن يوم البدء في بناء الهيكل الثالث المزعوم هو اليوم الذي يلي إعادة افتتاح كنيس الخراب.
لكن الملاحظ أن ما حدث يأتي في ظل جملة من الأحداث المتتالية والتي كانت السبب في هذا التبجح الإسرائيلي المتصاعد، منها
أولاً: الدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود للحكومة الصهيونية؛ حتى عندما يوجد حدث يستدعي الإدانة، لا تجد منهما إلا التعبير عن (الانزعاج، القلق، الضيق)، وغيرها من المرادفات التي هي للاستهلاك المحلي، والعالمي ليس إلا، بل إن مضمونها يغري بالمزيد من الممارسات الصهيونية على الأرض.
ثانيًا: الانبطاح العربي الواضح، والذي ظهر عقب قرار اللجنة الوزارية العربية، والذي وافقوا فيه على دخول السلطة الفلسطينية في مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي؛ ما اعتبر ضوءًا أخضر للكيان الصهيوني، لزيادة حجم الإجرام المرتكب في حق القضية الفلسطينية.
ثالثًا: يأتي افتتاح كنيس الخراب بعد ضم إسرائيل الحرم الإبراهيمي لهيئة الآثار الصهيونية، وفي هذا أبلغ دلالةً على أن ما يحدث من الجماعات الصهيونية المتطرفة هو بالتنسيق مع الحكومة الصهيونية، وبإيعاذ منها، كما أن توقيت ضمِّ الحرم الإبراهيمي قبيل افتتاح الكنيس اليهودي يوضح مدى الخبث، والدهاء الشيطاني لليهود، فهم أرادوا شغلنا عن الحرم الإبراهيمي بحيث ننسى ما حدث معه، ويتركز اهتمامنا بما يحدث للمسجد الأقصى نظرًا لعظم شأنه عند المسلمين
رابعًا: من دهاء اليهود ما يتم الآن في باحات المسجد الأقصى من اعتداءات متتالية، ولكنها محسوبة بدقة، بحيث يكون هدفها هو خلق حالة من (التعود) لدى المواطن العربي والمسلم، بحيث يعتاد هذه الاعتداءات مع مرور الوقت، ومن ثم يفقد اهتمامه بها.
هذا ما تراهن عليه "إسرائيل" في المرحلة القادمة من خلق حالة اعتيادية في التعامل مع القدس، والمسجد الأقصى، بحيث يتبعه فقد اهتمام من قبل المسلمين لنفاجأ ذات صباح على خبر هدم المسجد الأقصى، هذا ما يسعى الصهاينة إليه، وقد استخدمت هذه الإستراتيجية- التعود- بنجاح بارع في عدة أقطار إسلامية للأسف الشديد، فما يحدث في العراق، وأفغانستان من مذابح يومية أصبحت هي الأخرى (اعتيادية) لا تحرك ساكنًا لدى أحد، وتستثير نخوة إنسان حر
خامسًا: من الملاحظ أيضًا أن ما حدث لم يستفز أحدًا من الشعوب العربية، اللهم إلا الحركات الإسلامية، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت في تظاهرات في عدة دول عربية للتنديد بما يحدث، ونتج عن ذلك اعتقال المئات من كوادر، وقيادات الجماعة غالبيتهم من مصر، والباقي من الأردن، وهذا بدوره يطرح تساؤلاً غاية في الخطورة، أين البقية الكاسحة من شعوب الأمة من هذا الحدث الجلل الذي يستدعي أقصى درجات الاستنفار؟!
أدرك أن شعوبنا العربية والإسلامية تعاني أيما معاناة من الظلم، والطغيان، والاستبداد الجاثم على الصدور، والذي يمنعهم في كثير من الأحيان من حق التظاهر السلمي، لكن من قال أيضًا إن الحقوق تسترد بلا تضحيات، وبذل الغالي والنفيس في سبيله، (فلن يكون لدينا ما نحيا من أجله.. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله) كما يقول "سيد قطب"
سادسًا: عندما قرأت هذه التسمية كنيس (الخراب) تذكرت قوله تعالى: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)﴾ (الحشر)، رغم أنها في فلسطين ليست بيوتهم، لكنها بشرى أن ما يفعلونه الآن في فلسطين، والقدس سوف يكون خرابًا عليهم بإذن الله، الله يخرب بيوتهم.

الخميس، ١١ مارس ٢٠١٠

إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح

إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح

بقلم: د. ممدوح المنير

نشر فى اخوان اون لاين ، نافذة مصر ، بر مصر

إنه موقفٌ من مواقف العظمة والإكبار والإجلال، وكأن الله في كل وقت وحين يأبى إلا أن يقيم علينا الحجة، فيُرينا من صنعة يديه رجالاً لا هم بملائكة ولا أنبياء، مهمَّتهم أن يضربوا لنا أروع المثل ويبقوا فينا طيب الأثر، ويُحيوا بمواقفهم مواتَ قلوبنا، ويخطبوا فينا خطبتهم البليغة بثباتهم وقوة إيمانهم ومضاء عزائمهم، لا يُرهبهم طغيان ظالم، ولا تكسرهم سجون القهر والاستبداد.

ثم لا تلبث أن تأسف على حالك حين تشعر أننا نحن الأسرى وهم الأحرار، لقد عرفوا السر الذي يعرفه الجميع، لكنهم ما إن عرفوه حتى فعلوه.. إنها سجدة الحرية!، نعم تلك السجدة التي ينخلع فيها العبد من كل أشكال العبودية لغير الله، عندها يتحرَّر من كل شيء ومن كل أسر، فتراه بعين البشر القاصرة خلف الأسوار فتأسى لحاله، وتراه بعين الله فتأسى لحالك!.

"فإنني أنا الشيخ حسن يوسف داود دار خليل وأهل بيتي (الزوجة والأبناء والبنات) نُعلن براءةً تامةً جامعةً ومانعةً من الذي كان ابنًا بكرًا، وهو المدعو "مصعب"، المغترب حاليًّا في أمريكا، متقربين إلى الله بذلك، وولاءً إلى الله ورسوله والمؤمنين".

ما إن قرأتها حتى شعرت بقشعريرة تجتاح جسدي رغمًا عنِّي!!.. عجيبٌ والله أمرك يا شيخ حسن!!.. "متقربين إلى الله بذلك، وولاءً إلى الله ورسوله والمؤمنين".

أيها الجبل الأشمّ.. هنيئًا لك القربى من الله ورسوله؛ إحسانًا بالله ظنًّا، ولا نزكِّيك على الله وهو حسيبك.

إن هذا الموقف النبيل من شيخنا المجاهد وأهل بيته لا بد أن نتلمَّس منه الدروس والعبر، ومنها

:

أولاً: أن رباط العقيدة والدين لا يعلوه رباط، ودونه يهون كل شيء، الأهل كل الأهل، والمال كل المال، والنفس كل النفس؛ ليصبح هذا الرباط وحده هو معيار الحب في الله والبغض في الله، لم يكن هذا الموقف من شيخنا الجليل إلا تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ فمنهم من قتل أباه ابتغاءَ مرضات الله، فهذا سيدنا أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي لقَّبه رسول الله صلى الله علية وآله وسلم بـ"القوي الأمين"؛ لأنه التقى والده الذي كان في صفوف الكفار في معركة بدر، وضربه بسيفه وقتله، قائلاً: "السماح السماح يا أبتاه.. لقد قتلت نفسك بيدي"!.

ثانيًا: أن الهداية والثبات منحةٌ من الله لعباده الصالحين، و"يُبتلى الرجل على قدر دينه"، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجب علينا أن نُحسن صلتنا بالله، وأن ندعوَه أن يثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

ثالثًا: يجب على حركة حماس أن تفتح تحقيقًا داخليًّا جديًّا؛ حول موضوع وجود عملاء محتملين بينها، رغم إدراكي بصعوبة ذلك البالغة، لكنَّ عِظَم المسئولية الملقاة على عاتق حماس يقتضي أن تأخذ الحركة بالغ الحذر.

رابعًا: لا يعيب حماس أن يكون بينها (عميل)، فلم يقُل أحدٌ بأن رجال الحركة ملائكةٌ منزلون من السماء، لكنَّهم بشرٌ كغيرهم، ويجوز في حقِّهم ما يجوز في غيرهم، غير أنهم من أنقى الناس سريرةً وثباتًا على الحق، والعبرة تُقاس بالكثرة المطلقة لا بالقلة المنحرفة التي تقترب من العدم.

خامسًا: لم تعلن حركة حماس على لسان أيٍّ من قيادتها أن مصعب كان كادرًا من كوادرها أو لا، غير أنه كان يعمل فقط في مجال العمل العام الذي يتسع للجميع، سواءٌ انتسبوا للحركة أم لا، وبالتالي لا يمكن اعتبار مصعب عضوًا تنظيميًّا في الحركة، رغم إيماني أن ذلك لا يعيب الحركة بأي حال من الأحوال.

سادسًا: المعلومات التي قال المدعو مصعب إنه حصل عليها- إن صحَّت- والتي نتج منها إفشاله العديد من عمليات الاغتيال بحق الصهاينة؛ تقتضي مراجعةً حازمةً لدولاب العمل الجهادي؛ حتى لا يحدث تسريبٌ للمعلومات يكلِّف الحركة كثيرًا، وأفضل قاعدة في هذا المجال (المعرفة على قدر الحاجة).

سابعًا: توقيت إذاعة الخبر واضحٌ منه أن "إسرائيل" تعاني ارتباكًا شديدًا بعد كشف ملابسات اغتيال الشهيد المبحوح، وأنها تحاول التغطية على فشلها الذريع بهذا التشويش المكشوف.

ثامنًا: قيام المدعو (مصعب) بالحديث بهذا الشكل عن خيانته وعمالته لـ"إسرائيل" دون تحفظات؛ يجعلني أشعر أن الرجل مشكوكٌ في سلامته العقلية!!، فالخائن أو العميل أكثر لحظات حياته رعبًا وتعاسةً تلك التي ينكشف فيها؛ لأنه يعرف جيدًا أنها نهايته عند الجميع، من يخونه ومن يخون من أجله (إسرائيل)، هذا عن العار الذي يلحق به حيًّا أو ميتًا؛ لذلك أعتبر أن حديثه إلى وسائل الإعلام بكل هذه الأريحية عن خيانته دليلٌ على عدم اتزانه النفسي والعقلي.

تاسعًا: عدم تسرُّع حماس في إعلان موقفها من المدعو مصعب واعتماد الردود الدبلوماسية، حتى تتبيَّن من صحة المعلومات المتداولة؛ أمرٌ يُحسَب للحركة، ويُعدُّ رقيًّا وسموًّا واحترامًا لمشاعر أبٍ مصابٍ في ولده أو من كان ولده، وبعد التبيُّن والتأكد جعلت الحركة الوالد الصابر هو من يعلن الموقف بتبرئه وأسرته من الابن الضالِّ.

عاشرًا: لم أجد أفضل من الآية الكريمة التي تلخِّص الموقف، والتي تحكي عن سيدنا نوح لمّا أراد أن ينقذ ولده من الغرق في الطوفان عقابًا من الله له على كفره، قال تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43) (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)﴾ فكان القانون السماوي: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ (46)﴾ (هود).

اللهم ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، اللهم آمين.

صدمة ألا تكون هناك صدمة !!



صدمة ألا تكون هناك صدمة

بقلم / د ممدوح المنير



حين تداولت وسائل الإعلام خبر ضم الكيان الصهيوني للحرم الإبراهيمي لهيئة الآثار اليهودية؛ توقعت أن يكون الحادث صادم
للجميع، أقلّها على مستوى الشعوب؛ مما يجعل (الصدمة) مقدمة لانتفاضة شعوبية مستحقة طال انتظارها على ما يحدث في فلسطين المحتلة.
لكن صدمتي الكبرى كانت بالصمت المطبق الذي خيَّم على العواصم العربية والإسلامية بعد نشر الخبر؛ مما لم يدع للمرأ مجالاً للشك من أن الأمة تعاني من حالة موات أو غيبوبة في أحسن الأحوال.
لم يفلت من هذا المشهد الكئيب سوى مدينة الخليل ذاتها التي انتفض أهلها؛ احتجاجًا على ضم الحرم الإبراهيمي، في حين اكتفت بقية الأمة بمقاعد المتفرجين، وهي مقاعد لحسن الحظ بلا رسوم!- وإلا لوجدناها خاوية هي الأخرى!!-؛ حيث يكفيك أن تضّجع في مقعدك الوثير تشاهد على شاشة التلفاز ما يحدث أمامك، ولا مانع من بعض التسالي لزوم (المشاهدة)!!، وعندما تثور نخوتك قليلاً فما عليك سوى أن تمصمص الشفاه أو تقطب جبينك قليلاً حزنًا على ما يحدث، ثم تنام قرير العين مرتاح البال على تأدية واجبك النبيل، هذا على ما يبدو أقصى نضال لأمة تعيش في زمن التيه.
لم يشفع للحرم الإبراهيمي- لتثور الأمة- أن به قبر الخليل إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء، وسيدنا إسحق ويعقوب عليهما السلام، وزوجاتهم سارة ورفقة ولائقة وإيليا على التوالي عليهم السلام، دُفنوا جميعًا في مغارة (المكفيلا) التي يقوم عليها الحرم الإبراهيمي الشريف ، وفي الحرم الشريف كذلك ضريح للنبي يوسف عليه السلام، وقبر سيدنا آدم ونوح عليهم جميعًا السلام, كما تقول بذلك الروايات المختلفة
.
العجيب أن هؤلاء الأنبياء العظام الذين دُفنوا في هذا المكان كانت حياتهم قصة نضال وكفاح بالغة الروعة ضد الظلم والطغيان، حرروا بها البشر من أسر الشهوات وظلامات الجهل، وذل العبودية لغير الله، فما الذي حدث لهذه الأمة؟!.
لم أجد تفسيرًا للوضع الذي نحياه سوى ما قاله الرسول صلى الله عليه و سلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن. قالوا وما الوهن؟ - أي ما سببه وما سره فإن معنى الوهن معروف وهو الضعف- قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حول هذا الموضوع: "لقد بات إيمانهم إيمانًا (جغرافيًّا) بحكم ولادتهم في أرض المسلمين، أو إيمانًا (وراثيًّا) يأخذونه عن آبائهم كما يرثون الدور والعقارات، بات إيمانًا مخدرًا نائمًا لا تأثير له، ولا حيوية فيه، فكيف يورث القوة، ويهب للنفس العزيمة والمضاء؟!".
هذا هو مبعث الوهن الحقيقي، وسر الضعف الأصيل، أن يخلد المرء إلى دنياه الخاصة، فيعيش عبدًا لها مطواعًا لأوضاعها الرتيبة، أسيرًا لقيودها الثقيلة، تحركه الشهوات كالخاتم في الإصبع، وتسيره الرغائب المادية كالثور في الساقية، يتحرك في مدار محدود، فاقد الهدف معصوب العينين.
حب الدنيا هو الذي يجعل الملك في صولجانه عبدًا ضعيفًا، رخو العود، أمام امرأة يعشقها، أو شهوة يطمع في نيلها، أو نديم يخشى أن يفضحه، أو حاشية تعينه على سرقاته ونزواته.
وكراهية الموت هي التي تجعل الأفراد والجماعات يؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات، على موت يحيون بعده حياة الخلود..
ومن لا يمت تحت السيوف مكرمًا يعش ويقاسي الذل غير مكرم
انتهى، فهل يتعظ أحد؟!

blogger templates | Make Money Online